أن نرى هجاء مستقلاً، وهو - مع ذلك - لا يعدو الطريقة العامة من الرمي بالنفاق والغدر والكبر، وربما رق الهجاء وتبدل ولكنه بعد ليس أليم الوخز، ولا نافذ السهم، يقول الأستاذ صالح عبد القادر يهجو ذليلاً أحدث نعمة فطغى أن رآه استغنى، في قصيدة مطلعها.
لا تفرحنَّ بنعمة ... إن الزمان له انقلاب
وبعد أن وصف الزمان وأنه محكم يرفع الذئاب إلى مرتبة الأسود، وينقل الملك العظيم من سرير الملك إلى أعماق القبر قال:
ولقد رماك الدهر ح ... تى هنت في نظر الكلاب
أنا على ماضيك لم ... نسدل ستاراً أو حجاب
أنسيت نومك في الترا ... ب فصرت تحكم في الرقاب
أنسيت أيام (البلي ... لة) والبسارة والهباب
فغدوت تأكل ما علم ... ت وما جهلت من (الكباب)
جلَّ المهيمن إنه ... يهب الأنام بلا حساب
وإذا وصل بنا القول إلى هذا الشعر الفكاهي فأنا نقول إن الفكاهة ليس لها مكان في البيئات المتدينة، بل إن الشعب السوداني لا يكاد يقبل عليها، وربما كان لذلك أسباب كثيرة غير التدين، ومن الممكن أن نقول إنه ليست هنا فكاهة مستقلة. ولقد دأبت بعض المجلات السودانية على أن تنشر طرائف يتفكه بها القراء فكان اعتمادها على ما ينشر في المجلات المصرية، ونتيجة لهذا قلت الفكاهة في الشعر السوداني، على أنا نلمحها لمحاً في بعض القصائد، فهي لا تكاد تأخذ إليها نظر القارئ ولا فكره. وربما جاءت في أثناء الهجاء، أو في معرض شكوى، أو في رثاء شيء ففقده شاعره، وقد تكون الشكوى مرة عميقة ولكن الشاعر يسوقها في شعر خفيف يظنه القارئ يميل إلى الفكاهة، وما هو إلا الجد في معرض الهزل، يقول الشاعر الشيخ حسيب في (مرتبه).