أما اليراع فاٍنني ... لم أجن منه سوى الكساد
يا صاحب الدرجات والق ... انون والرأي والسداد
أطلق فداك مرتبي ... بعض القيود لكي يزاد
رفقاً بمن قيدته ... بقيود (ثامنة) شداد
فكأنني وكأنه ... ظمآن آلٍ في وهاد
وكأنني متقلد ... من غير ما سيف نجاد
ولقد أعجبني حقاً هذا التشبيه، تشبيه موظف في الدرجة الثامنة، والحياة عليه قاسية، ومرتبه لا يفي بضروريات عيشه، برجل متقلد نجاداً، ولكن ليس معه السيف، فيخاله الناس صاحب سيف يرد به حوادث الأعداء، فإذا هو أعزل ليس له من السيف إلا حمالته التي لا تدفع عدواً، وهذا يسميه الناس موظفاً، ويرونه يروح ويغدو على عمله، وربما حسدوه، فإذا هجمت عليه عوادي الأيام، وحزبته ضرورات العيش، فتش في جيوبه ليجد ما يردها، ولكنه لا يجد إلا نجاد السيف؛ أما السيف ففي أوهام الناس وخيالاتهم.
وهذه القصيدة في رثاء ساعة فقدها الشاعر فبكاها، وليس لشعراء السودان اتجاه - إلا قليلاً - للقول في الأشياء الصغيرة، وكأنهم لا يرون الشعر إلا ما كان في مدح أو هجاء أو رثاء، ولكن هذا الشاعر تظرف فقال في ساعته:
لي ساعة معروفة ... بالصدق في جنح الظلام
لا البرد يوقفها ولا ... يودي بسرعتها الغمام
اغتالها الدهر الخئ ... ون، وليس سلماً للكرام
لم يغن عنها حصنها ... جيب القباء أو الحزام
أحفيظة الوقت الثم ... ين وخير ساعات الأنام
أصبحت بعدك فوضوي ... اً لا أساس ولا نظام
أبدأ تحث على المض ... ي إلى الأمام إلى الأمام
تفديك ساعات تؤخ ... ر أو تقدم أو (تنام)
أما الجد فهو السمة الغالبة على الشعر السوداني كله، ولا سيما حين يفخر الشاعر أو يصور بعض أحوال قومه، فهذا يقول: