أيها الدهر أنا من معشر ... حكموا الرأي وهزوا العلما
فأسال العالم عنا إننا ... أمة كنا وكانوا عدما
من لقومي إنهم قد أهملوا ... ما بنى آباؤهم فانهدما
يا بني قومي أفيقوا أنكم ... ما خلقتم لتعيشوا (غنما)
ليتني أعرف ما أخركم ... سادة كنتم فصرتم خدما
ولقد يحزنني أني أرى ... رأيكم مختلفاً منقسماً
وذاك يقول:
كم وقفة لي أبكيت الجماد بما ... أسمعته وهززت النيل والهرما
حليت عاطل الدهر منه بما ... ود الغواني لو أن جيدها نظماً (كذا)
مضى زمان وقلبي ممتل ألماً ... وفي فؤادي أسى كالنار مضطرما
حزناً على أمة بالنيل نائمة ... تشكو الأوار وأخشى أن تموت ظما
وأما القول في الخمر فهو قليل، وطبعي أن يقل القول في هذا الغرض لسيادة التدين على النفوس، على أنا نجد بعض الشعراء يتغاضى عن عواطف الناس، ويقول فيها ما يحلو له، فهذا عثمان هاشم يجاهر بالقول فيها، مع ما لبيته من مكانة دينية يقول:
أدر الراح علينا باليمين ... تحت ظل الورد بين الياسمين
ضن رب الحان للشرب بها=واصطفاها إذ رآنا قادمين
ملأ الأقداح منها بعدما ... راضها بالمزج من ماء معين
فشربناها غبوقاً في الدجى ... ووصلناها صيوحاً بالأذين
وأنا شديد الإعجاب بهذه الاستعارة الفذة (راضها بالمزج) فأن الخمر - على ما أعرف من قراءاتي - تكون كالفرس الجموح فإذا صب عليها الماء هدأت وسكن بعض سورتها، وكم بين رياضتها بالمزج في قول هذا الشاعر، وبين قتلها بالماء في قول حسان بن ثابت:
إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
كم بينهما من مشابه يعرفها الخبيرين!
هذا وبقى أن نسرج النظر قليلاً في أسلوب هذا الشعر، فنقول إن الطبائع العربية، واللهجات العربية أظهر ما تكون في سكان السودان، وكثير من الكلمات العربية الفصيحة