الشريفة. وفي النصف الثاني من القرن ظهر الشاعر الصوفي والفيلسوف الكبير جلال الدين الرومي فندد بالجهل الذي خيم على الناس تجاه المسائل الفلسفية. ومن الواضح أن العلوم العقلية والفلسفة اليونانية في مظهرها الحقيقي لم تكن قد ظهرت بعد حيث يقطن الأتراك اليوم.
وفي القرن الخامس عشر، بعد تكوين الإمبراطورية العثمانية بقرن ونصف، كان الفكر الإسلامي لا يزال متخذاً الطابع المدرسي من دراسة الأدب والفقه؛ ولئن كانت تناقش الفلسفة والعلوم العقلية وأفلاطون وأرسطو، فإننا لا نلمح أي اثر للروح الفلسفية الانتقادية التي ميزت الفلسفة اليونانية. وفي ذلك الوقت كان الشاب الذي لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره: محمد الفاتح قد اتصل بجيرانه الأوربيين. وقد دخل القسطنطينية عام ١٤٥٣ على أنقاض الحضارة الغربية في الشرق. واهتم السلطان الفتى بالمدرسة الفلسفية اليونانية التي كانت أساساً لجميع الأفكار في العصور الوسطى في غربي أوربا، وبلغ اهتمامه بدراسة اللاهوت حداً جعله شغوفاً بالمسيحية. وكانت رغبته في الواقع هي الدراسة المقارنة للدينين العظيمين والميتافيزيقا، وذلك ليوحد الاختلاف بين العقل والروح. كان يحاول أن يخلق تفاعلاً وتداخلاً بين الحضارتين الإسلامية والغربية، على أن يكون للنظرة الانتقادية المحل الأول.
لكن ينبغي أن نقرر أن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح، وأن تركيا عادت يوماً إلى جمود العصور الوسطى الذي استمر حتى القرن التاسع عشر بل والعشرين، ففي الفترة ما بين فتح القسطنطينية ومعاهدة كارلوتز ١٦٩٩ وصلت الجيوش التركية إلى وسط أوربا وأنشأت علاقات مع الأمم الغربية. غير أن هذه القوة العسكرية عجزت عن تكوين صلات فكرية بين الشرق والغرب. بل إن النزعة الحديثة في عصر النهضة عادت القهقري أمام روح الجمود التي سادت في البلاد الإسلامية.
وبلغت تركيا شأوا كبيراً من التوسع في القرن السادس عشر، أبان حكم سليمان الكبير. ومع ذلك لم يتقدم التفكير الفلسفي والعلمي خطوة واحدة مع التقدم السياسي في عصر المجد والعظمة هذا. وقد لاحظنا الأستاذ (كريبر) إنه ليس من الضروري أن يتفق العصر الذهبي لحضارة مع التفوق والرقي لوطنها فبعد هذا التوسع لم تعط الفرصة لتطور النهضة في