في اتحاد كامل مثل اتحاد اليد اليمنى واليد اليسرى وإن كلاً تعملان في ناحيتين مختلفتين، فإن هذا الاختلاف ألم يسبب أي تنافر في نظام الكون، بل قامت فيه وحدة ناتجة عن ملاءمة قوى الطبيعة بعضها لبعض والتناقض بين اللانهائي والنهائي من هذا النوع، ولا يمنع من اتحادهما، بل لا غنى لأحدهما عن الأخر، فإن الله في حاجة في حاجة لعودة الإنسان إلى اللا نهايته التي انبعث منها حتى تتحقق وحدة الوجود، بينما الإنسان في حاجة إلى الله، لأن كماله لا يتم إلا إذا أفنى ذاته لمحدودة في ذات الله الغير محدودة، وإن ما يوجد بينهما من تناقض ظاهر يزول بالسرور والحب المتبادلين واللذين يوفقان بين لانهاية الله وبين نهاية الإنسان، ويجمعان بين أغراضهما بحيث يصبح هدف الله وهدف الإنسان هدفاً واحداً ألا وهو بلوغ أعلى درجات وحدة الوجود التي لا تتحقق بالإنسان من دون الله، ولا بالله من دون الإنسان، ولكن باتحادها جميعاً.
وبالرغم من أن طاغور ساير الدين الهندوكي في تصويره حقيقة وحدة الوجود، وحاول إزالة ما يكتشف هذه الحقيقة من غموض، إلا أنه في الوقت نفسه لم يساير الهندوكيين مسايرة الأعمى وعمد على ألا تكون حقيقة وحدة الوجود عقيدة جامدة بعيدة عن متناول العامة، وتبلغ من السمو والرفعة بحيث لا يستطيع الوصول إليها إلا خاصة الخاصة، ويتطلب الشعور بها جهوداً شاقة فوق قدرة الإنسان العادي، فأخرج هذه العقيدة من كهف الزاهد النائي إلى حياة عامة الناس، وأعطى لها من الحيوية ولشيوع بحيث مكن الرجل التقي الصالح العالم والفنان ورجل السياسة والمصلح الاجتماعي وأرباب الأعمال الاقتصادية والصانع والزارع من تحقيق هذه الوحدة بعد أن كان تحقيقها قاصراً في العصور القديمة على هؤلاء الزهاد الهاجرين الحياة المعذبين لأنفسهم وأجسادهم.
ويبدو أن طاغور أحس بأن ما كان يبتعه زهاد قدماء الهند من أساليب، أو ما كان يسلكه متصوفة الإسلام من طرق، أو ما كان بحياة المتعبدون المسيحيون من رهبنة، اصبح لا يلائم الحياة العصرية التي تجد وراء الرقي المعنوي والكمال المادي كما يحرم المواطنين من القيام بواجباتهم الاجتماعية، فلو فرضت هذه الاجتهادات الدينية والرياضيات النفسية على الإنسان المعاصر لحمل أكثر مما يطيق، وما ثابر على ممارستها، وقد يدب فيه نوع من اليأس يثنيه عن تحقيق غايته الدينية، وإن قدر أن يحاكي الزهاد القدماء لقصر في