حرزت على وحدتها التامة مع الخليقة التي يتوسم سرور الله في كل وجه من وجوهها.
ولم يتورع طاغور من أن يسير مع الدين الهندوكي إلى آخر مداه، ويؤمن معه بأن الإنسان يجب أن يسعى ليتحد بالله حتى يصير هو والله حقيقة واحدة. إلا أنه حاول أن يخرج نفسه من هذا المأزق، وينفي عن الإنسان أصالة الربوبية بادعائه أن القول بأن الروح يجب أن تصبح الله، لا يقصد به أن روح الفرد هي الله بالفعل، إنما يقصد به أن الله هو المثل الأعلى اللانهائي الذي ينبغي أن يتحول إليه الروح. ومثل الروح في ذلك مثل ماء النهر المتدفق نحو البحر، فإنه يستطيع أن يقول (أنا البحر)، ولكنه لا يستطيع أن يزعم أن البحر جزء منه أو ترعة فيه، وتستطيع الروح كذلك أن تكون الله، كما يصير النهر بحراً، ولكنها لا تستطيع أن تدعي أن الله جزء منها، أو تنكر أن غايتها الأخيرة أن تغوص في لا نهائيته، ثم تنمو وتزداد فيه على الدوام حتى تشمله جميعه وتصير حركاتها متفقة مع أنغام هذه الحقيقة اللانهائية.
وإن استطاع طاغور أن يفلت من هذا المأزق، فلقد واجهته مشكلة أخرى مستعصية، وهي كيف يتحد الإنسان المحدود بالله الغير محدود، فإنهما متناقضان والجمع بينهما مستحيل؟ ولكن طاغور لم يجد صعوبة كبرى في دفع هذا الإشكال دفعاً سلبياً، وبين أن اجتماع اللانهائي لا يظهر ما فيه من تناقض إلا المنطق، أما في الحقيقة، فليس هناك مشكلة على الإطلاق. والمنطق بجدله لا ينفي فقط اتحاد الله بالإنسان والكون، بل يستطيع كذلك بعقد البديهيات ويدلل على أن البعد بين نقطتين مهما تقاربتا يصح أن يكون بعداً لا نهائياً لا يمكن اجتيازه، إذ من الممكن تقسيم هذه البعد إلى أبعاد صغرى لا متناهية العدد يستحيل عبرها إذا أخذت كل منها على حدة. هذا فضلاً عن أن العقل الذي يستعين بالمنطق في كسب معرفته ليس إلا آلة أو جزءاً من الإنسان، ولا يستطيع أن يحصل على معلومات إلا من الأشياء التي تقبل التقسيم والتحليل والترتيب، ففصل العقل بين الله والإنسان والأشياء، ولكنها في الحقيقة متحدة اتحاداً تاماً.
وإن ما يبدو في هذه الوحدة من تناقض لا يحل بهذه الوحدة؛ لأن تناقض الوجود في حد ذاته لا يتعارض مع وحدته، فأن ما يشاهده الإنسان في الطبيعة من تضاد بين الحرارة والبرودة والحركة والسكون يثبت أن في الكون مجموعة من القوة المزدوجة المتضادة تعمل