الكمال الروحي هي أن المرء يعرف أنه روح في جوهره، ولا يستطيع أحد أن يعرف ذلك ما لم يكن لديه نور من ذات نفسه يحدس به صورة الله في النفوس الإنسانية؛ وذلك لا يتأنى إلا بعد خضوع النفس لسيادة قانونها الأخلاقي، وقيام الإنسان بعمل صالح مفيد، ثم أدائه فروض الدين، لأن سيطرة القوانين الأخلاقية على الحياة الإنسانية تحررها من نزوة الشهوة وتخلصها من إغراء مفاتن الدنيا، وتطهر النفس وتعدها لإدراك وحدة الوجود. بينما قيام المرء بعمل يعود على بني الإنسان بالخير، يعبر عما يختلج في نفسه من مشاعر إنكار الذات وقدرة على تعدي ذاته الفردية إلى شيء عام خارج عنها. أما أداء الشعائر الدينية اليومية من صلاة وصوم ودعاء بإخلاص صادق ينم عن إيمان قوي، فإنه يزيل كل ما يعوق اجتهاد النفس في سبيل كشف الله في داخلها، ويمد الوعي الروحي بالتقوى والصلاح والورع التي تفسح الطريق نحو اللانهاية.
وما أن يتم بالروح الطاهرة الخيرة النشيطة إدراك اتحاد الله بالنفس البشرية بالبداهة الروحية والحدس الفطري يجب أن تستنير بهذه الحقيقة في إدراك الله في الطبيعة عن طريق كشف القوانين الطبيعية التي يدخل تحت نطاقها كثير من الظواهر المتشابهة والحوادث المتكررة والأشياء المتماثلة التي أحل الله سروره في كل منها على صورة القانون الخاضعة له، ثم يستضئ بهذه القوانين العلمية في الإحساس بانسجام أجزاء الكون وتوافقها الذي يوحي بتذوق جمال وحدة الطبيعة واتحادها بالله.
ولكن إدراك الله في النفس وفي الطبيعة وإحساس وحدة الوجود أمر جزئي لا يكفي لتحقيق الكمال الروحي الذي لا يتوصل إليه إلا عن طريق الحب الذي يغمر النفس عند الإحساس بذلك السرور الذي يتولد من إدراك حقيقة وحدة الوجود، وذلك يحدث حين تصير فكرة وحدة الوجود حية في النفس واضحة للعقل، ويعيشها الإنسان في كل عمل يأتيه، وفي كل قول يصدر عنه، حتى يصبح إدراك هذه الوحدة أكثر من مجرد فكرة ذهنية، وينبعث من الإنسان وعي يشع نوره من معرفة الله المقيم في كل شيء، فيشمل هذا الوعي سرور مبهج ينجم عنه حب عميق لكل شيء يستقر فيه الله، وحب الغير أسمى ما يصل إليه الإنسانية من درجات الرقي الروحي، ففيه يتلاشى الشعور بالفردية ويختفي التباين بين الله والطبيعة والإنسانية، وتعرف الروح أن حقيقتها تتضمن أكثر من وجودها الشخصي، وتوقن أنها