الوضع الحالي السياسي في الممالك العربية فلا يسعني إلا أن أقول إنه قائم على أساس علاقة الإسلام مع العروبة مثل علاقة الخليفة العباسي مع وصيف وبغا وهو إنما يؤدي إلى تنويم المسلمين وحرمانهم مما هم جديرون به.
أما ما يتعلق بكتاب الدكتور طه نفسه فيجب أن اعترف أني بدأت في دراسته وفي نفسي شئ مما قرأت وسمعت عن العواصف التي ربما أثارتها مجهوداته العلمية السابقة في المحيط الأدبي وأنا متأكد من أن آفة الأديب أن تكون باكورة أعماله متميزة بطابع النقد اللاذع الهدام للآراء المألوفة، فإن مثل هذا العمل وإن يكن وسيلة ناجحة في لفت الأنظار إلى براعته، فأنه ربما يضع الكاتب في موقف حرج بحيث يسمه بسمة الغرابة، فالقراء لا يرضون منه - فيما بعد - إلا أن يأتي برأي شاذ في كل ما يتناوله، وقلما يقبلون منه أن يقرر رأياً سبق أن عرفه الناس، ثم إن مثل هذا الأديب - مع أنه يتحفز إلى النقد مدفوعاً بطبيعته وبنوع من الإيعاز من قرائه فهو يجتهد دائماً في الاحتفاظ بالحياد وعدم المحاباة والترفع عن التعصب حتى لا ينحط قدر الصادر منه. وينتج من ازدواج هذين العاملين أنه ربما يضطر إلى المصانعة مع الغير والقسوة على ذوبه فهو يوجه النقد إلى ما ينتمي إلى نفسه ويلين ويتحذر حينما يخاف أن يتهم بالمجاراة مع عواطف الجمهور فيما يتعلق بالغير. نعم أقبلت على قراءة (الفتنة الكبرى) وأنا مستعد للمفاجآت فدرسته بهم وشوق، وفرغت منه وأنا ملئ بالإعجاب ببراعة المنهج وحسن الترتيب، وسرد الوقائع، واستقصاء الملابسات، وتحليل الظروف، وتفقد الأسباب الخارجية والعلل النفسية، ما عدا الأسلوب النقي الرائع الممتاز. ولئن كان هناك شئ يبرر ما خيل إلى البعض من التعمد إلى التلطيف فما يتعلق بقصة عبد الله بن سبا أرضه لا يسع أحداً أن ينكر السبب الرئيسي للفتنه ألا وهو سوء إدارة الحكومة بيد عثمان الشيخ العطوف السمح، حسن النية، ضعيف التدبير بحيث انفسح المجال أمام بين أمية للتغلب على موارد الدولة والاستئثار بمناصبها، ثم الغلبة على نفس الخليفة ورأيه عن طريق قلبه. ولا شك أن عبد الله بن سبأ وأمثاله لم يكن ليتأنى لهم أن يعملوا ما عملوا - سواء أكان عملهم خطيرا أم ضئيلاً - بدون أن يجدوا أمامهم أحوالاً مهيأة للاستغلال. ويحق أكد الدكتور طه أن عبد الله بن سبأ إنما استغل أحوالاً نتجت عن مصدر آخر.