للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكني دهشت حينما رأيت الدكتور طه يعاود مراراً القول بأن الأحوال والظروف طغت على عثمان كما كان لا بد أن تطغي على أي واحد حل محله - يعاود الدكتور طه هذا القول بعد أن تبين أسباب الفتنة بوضوح وجلاء تامين، ولا افهم معنى لاتهام الأحوال والظروف إلا أن يكون محاولة لتبرئة عثمان كما حاول الآخرون إلقاء اللوم على عاتق عبد الله بن سبأ وأمثاله للغرض نفسه ظناً منهم بأن مكانة عثمان الدينية لا بد أن تعصمه من أي خطأ سياسي أو زال إداري. ولنتساءل: ما هي الأحوال التي جدت بعد وفاة عمر؟ أن اعظم مشكلة واجهتها الخلافة الإسلامية في نشأتها هي كثرة الفتوح وتنظيم الموارد وتصريف الربع الوارد من الأمصار، وقد فرغ عمر في حياته من تدبير جميع هذه الأمور تدبيراً عاماً شاملاً بحيث لم يكن على يد يخلفه إلا أن يخطو خطوه، وهذا ما عاهد عليه عثمان عبد الرحمن ابن عوف وقت البيعة، ولكنه لم يستطع أن يهتدي بهدى عمر في تسيير دفة الإدارة ولم يلبث أن سلط آل أبي معيط كما كان عمر قد تنبأ بذلك.

وقد عرض الدكتور طه لنقد بعض التقاليد الدستورية عند المسلمين في ذلك العهد ولكني أخشى أن يكون استسلف لذلك النقد موازين ومقاييس من حياة الأمم الغربية السياسية المعاصرة، أولا ترى الدكتور طه يفرض فرضاً بأن الحكم النيابي الغربي هو المثل الأعلى لكل شعب وكل إقليم وكل عهد فيبادر إلى القول بأن المسلمين كانوا خليقين بأن يفكروا في نظام الشورى (أظن عن طريق عقد المؤتمرات وتنظيم حملات الانتخاب ومساومة الآراء) حتى يجئ اقرب إلى النظام المعمول به في فرنسا أو بريطانيا في أيامنا هذه. انظر إليه يزدري شأن مجلس الشورى بوصفه مجلس المرشحين لا مجلس المشيرين في موضع، ويشكو من (الانتداب بدون توكيل في موضع آخر. ولعله قد تنبه إلى أن واضع نظام مجلس الشورى أعني عمر من الذين لا يؤخذ عليهم خطأ ولو في القرن العشرين فتكلف التماس العذر لنفسه بأن قال: أن عمر إنما هو مستوحى من ضحيم روح المجتمع الإسلامي بما أن الإسلام لا يخول حق التصويت لكل ذي حنجرة بل يجعل مبهمة انتخاب الخليفة من اختصاص أهل الحل والعقد؛ أما الجمهور فليس عليهم إلا الإذعان لما يتفق عليه رأى أهل الحل والعقد. قد ورد ذلك ضريحاً في أقوال الفقهاء والقضاة أمثال الماوردي، كما أنه ثبت أيضاً بالعمل فيما يتعلق بانتخاب الخلفاء الثلاثة الأول؛ وإذن يجب أن لا نهمل الفرق بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>