بوشاح من الوصف التخيلي الصادق للجزئيات، في نطاق الملامح والسمات. على النقيض من هذا كله تجد القصة الروسية؛ فهي قلما تحفل بالمفاجأة، وإنما تقدم إليك لوحة نفسية تزخر بصراع العواطف، وظلالا إنسانية يمكن أن يجد القارئ فيها صورة نفسه. وهي حين تمضي في طريقها من رسم النماذج البشرية وصب الفكرة في قالبها الذي ينقل من الخيال إلى الواقع، لا تخطئ حين توزع الضوء، ولا تسرف حين تحدد الظل، ولا تستمد اللون إلا من أعماق النفس وأغوار الحياة. . إنني أتحدث هنا موازناً بين الأدبين الروسي والفرنسي في مجال القصة الفنية القصيرة، أما في مجال القصة الطويلة فقد تعلو القصة الفرنسية عند بعض كتابها من أمثال بلزاك وفلوبير فوق مستوى مثيلتها في أدب القصة الروسية! وثمة فارق آخر بين القصتين:
في القصة الفرنسية قد تجد الفكرة في ذروة النضج الفني ولكنها لا تسعى كثيراً وراء هدف؛ وفي القصة الروسية تجد الفكرة والهدف يسيران جنباً إلى جنب؛ الهدف الفلسفي الذي يصبغ الفكرة القصصية بصبغة النظرات العميقة، تلك التي تحاول جاهدة أن تنفذ إلى ما وراء المجهول.
على ضوء هذه الموازنة نستطيع أن تنظر إلى ماضي تيمور الأدبي وحاضره، وليس معنى ما ذكرت أن تلك السمات التي تتسم بها القصة الفرنسية والروسية هي بعينها التي تتمثل في أدب تيمور بين الأمس واليوم، كلا. . كل ما قصدت إليه هو الإشارة إلى أن تيمور متأثر بتلك السمات هنا وهناك!
من هذا الإنتاج الأخير الذي تنعكس عليه ظلال من أدب القصة الروسية هذا الكتاب الذي أخرجته المطبعة منذ قريب، ونعني به (خلف اللثام). . هو في رأيي خير مجموعة من الأقاصيص قرأتها لمحمود تيمور، ولاأحسبني غالياً إذا قلت إن فيه أقصوصة لم أقرأ خبراً منها عند قصاص مصري حتى ولا عند تيمور نفسه، وهي أقصوصة (المستعين بالله الكابتن هاردي). . هناك كاتب يستلهم قلمه وكاتب يستلهم قلبه، وميزة تيمور أنه يستلهم قلبه دائماً!
إنه في هذه الأقصوصة يحلق في أفق مشرق من الروحانية الوضيئة وهو في الأقصوصة الأولى (خلف اللثام) يحلق في نفس الأفق ويملك ريشة الفنان وقلب الإنسان، ولكنه للأسف