للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن الشابة ذات الثوب الأبيض والعينين الدعجاوين، تلكأت في الدخول، إذ لم تجد في نفسها القدرة على ذلك، فراحت تتطلع من الباب. وكانت الحجرة تسبح في نور أبيض، كل ما فيها كان يسطع به، حتى النوافذ، وآلة التلفون. . . وكان جوهاً يغمر القلب سكينة وغبطة، ثم دخلت الحجرة بخطى وثيدة وطفقت تتطلع كشأنها في كل شئ، ولكن عينها علقنا بصورة وضعت على منضدة بيضاء، بين ستارين أبيضين، وقد حفت بها وورد بيضاء، فسارت إليها غير واعية، والخادم واقفة كالصنم، ترقب حركتها، وتتابع خطاها، فقد كشف هذا كله من أمرها ما قوى الريبة في نفس الخادم، ثم دنت السيدة من المنضدة الصغيرة البيضاء، ومالت عليها، وراحت تتطلع إلى الرسم ثم امتدت إليه يدها. لكأنها تحلم، وتناولته، وأدنته من عينيها وكانت الخادم إلى جانبها تقول لها:

هذه زوج سيدي التي ماتت، وفي كل يوم لا بد من تغيير الورد، فليس من شئ يخرجه عن طوره ويحنقه على إلا أن أهمل تغيير هذا الورد الأبيض الذي يحف بصورتها.

وكانت إذ تقول هذا تنقل عينها بين الصورة والسيدة، لشد ما تشابهان! العينان الدعجاوان. . . الأسنان النضيدة كعقد من اللؤلؤ، والفم الصغير، والشفتان الغليظتان كأنها عناب يقطر خمراً وشهوة. . . والأنف الأقني والذقن المستدير! ما أشد ما تتشابهان في هذا كله. . . ولكن محيا السيدة الشابة ذات الثوب الأبيض والعينين الدعجاوين تظلله سحابة رقيقة من أعباء وخور، كان شاحباً قليلاً، كلا. . . هذا التشابه لا يمكن أن يكون بين شخصين إلى هذا الحد. . . وكان قلب الخادم يخفق وهي تحدث نفسها بهذا كله. . . وكان ثمة شعور مهم يعتصر قلبها في قلق وحيرة، ويهتف في أعماق نفسها أن ثمة أمراً يوشك أن يحدث، ولكنها لا تكاد لفرط اضطرابها أن تتبينه جلياً.

وكانت السيدة تتطلع إلى الصورة. . . وعلى حين فجأة صرخت، ولوحت بالصورة ثم ألقت بها في ركن الحجرة. وفزعت الخادم فصرخت هي أيضاً: ماذا؟ فعلت؟ لكن السيدة الشابة ذات الثوب الأبيض والعينين الدعجاوين والمحيا الشاحب الحزين، ألقت بنفسها على حافت السرير محطمة القصب منهوكة القوى، متعبة الحس. . . ثم دفنت رأسها بين يديها، وقالت بصوت أجش محموم.

كلا، سأبقى هنا، لن أخرج. وسأنتظره، والورد الأبيض لن يكون للصورة بعد الآن. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>