للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسيرية نكشف عن غلبة العاطفة الدينية، وسيطرة التقاليد الموروثة، والجنوح إلى الخيال.

ولا بد لتفكير يصدر عن الأهواء والعواطف، ويستمد المعارف من الخيال والأوهام، ويستهدف السعادة في الدنيا والآخرة، لابد لتفكير هذا شأنه أن ينتج عقائد دينية، وفنونا جميلة، وحكمة أخلاقية كل ذلك في مزيج واحد متفاعل لا فرق فيه بين علم وفن ودين وأخلاق، حتى لنجد علماء القرون الغابرة هم شعراؤها وحكماؤها وكهنتها في آن واحد.

ألا ترى إلى الكهنة المصريين في العهد الفرعوني يرعون الدين، ويحمون الفضيلة، ويحملون رسالة العلم، ويرفعون لواء الحكمة، ويوجهون سياسة الدولة، ويتحكمون في مصير الشعب؟ أو لم يكن شعراء العرب في بداوتهم، وشعراء اليونان قبل عصر الفلسفة قادة الفكر وقادة المجتمع في هذه الربوع؟ فامرؤ القيس والنابغة والأعشى وزهير في جزيرة العرب، وهوميروس وصحبه ممن طمست الأحقاب أسماءهم في بلاد اليونان.

وهل ننسى أن زراد شت حكيم الفرس كان داعية دينية لعقيدة تحمل بين ثناياها فلسفة ناشئة؟

وهل كان بوذا الحكيم الذي خلد في تاريخ الفكر بحكمته الأخلاقية وتحرره الفكري وآرائه السياسية، إلا كاهنا لإحدى القبائل الهندية الكبرى وابنا لشيخها؟

وجملة القول أن التفكير الخرافي في الشرق القديم يتصف بخصائص ثلاث: الخضوع لسلطان الدين أي التقاليد الموروثة المقدسة، والاتجاه الخيالي ومن هنا كانت صلته الوثيقة بالفن، والنزعة الأخلاقية.

وعلينا الآن أن نستعرض أمثلة من الفكر الشرفي القديم مبتدئين بالتفكير في مصر القديمة.

لم يكن للمصريين دين واحد، بل أديان عدة اختلفت باختلاف الأقاليم، وتطورت مع تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية في وادي النيل. وقد برزت الديانة المصرية القديمة كعامل هام في حياه الشعب، في عهد مشيدي الأهرام كخوفو وخفرع وأوناس، وفي عهد الملوك الغزاة كتحتمس الثالث وسيتي الأول ورمسيس الثاني.

والذي يهمنا في هذه الديانةهو تصور المصريين للكون، وسذاجة تفسيراتهم لأحداثه: فهذا أمنحتب الرابع، الذي عبد آتون (قرص الشمس) فسمي لذلك (أخناتون) أي روح آتون، ينشد مخاطبا قرص الشمس معتبرا إياه علة لظواهر الطبيعة، وقوة روحية تدبر الكائنات:

<<  <  ج:
ص:  >  >>