للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكتاب على شيء من ملامح وجهه وسمات جسمه، ولا أعلم ما إذا كانت هناك مادة في هذه الناحية تعمد المؤلف إغفالها لأن بحثها ليس من عمله، بل من عمل الفنان والأديب، أو أنه لم يجد هذه المادة في كتب القدماء كما هي مع الأسف عادتهم في إغفال صفات الجسم، ولعل هذا هو الأرجح.

ومن حسن الحظ أن المؤلف أمدنا بمادة وافرة عن خلال ابن خلدون وخلقه، فنقل إلينا طائفة من أقوال الكتاب الأذكياء أمثال المقريزي والسخاوي وابن تغري بردى، والجمال البشبيشي، والعنتابي، وابن الخطيب، وابن حجر. فذكر أن المقريزي وكان تلميذاً له وسمه بسمات حميدة وذكره بالخير، ولسان الدين بن الخطيب، وكان من معاصريه، نعته بحسن الخلق والطموح وعلو الهمة، وأبو المحاسن بن تغري بردى أشاد بمقدرته ونزاهته في ولاية القضاء بقوله: (إنه باشر القضاء بحرمة وافرة وعظمة زائدة وحمدت سيرته) وأبو المحاسن من ثقات المؤرخين المصريين.

إلى جانب هذه الصورة النبيلة لابن خلدون نجد أقلاما ضئيلة مسمومة تشوه صورته وتبهت عليه، وتزري بخلقه، وترميه بالتهمة المؤذية الجارحة. فالعنتابي مثلاً ذكر أن ابن خلدون كان يتهم بأمور قبيحة (ص٩٤) - والجمال البشبيشي اجترأ بقوله إن ابن خلدون كان في أعوامه الأخيرة يشغف بسماع المطربات ومباشرة الأحداث، وأنه تزوج امرأة لها أخ أمرد ينسب للتخليط! (ص٩٤).

جمع الأستاذ عنان هذه الأقوال وعلق عليها بقوله: (إنها أقوال تنم عن خصومة مضطرمة، ومبالغة في الانتقاص تنحدر إلى معترك السباب والقذف) وقد يكون الأستاذ محقاً في هذا التعليق لأن نسبة أمثال هذه التهم إلى هذا العبقري بلا سند، مما لا يقبله الضمير النزيه، وقد تكون هذه التهم أراجيف أذاعها الكاشحون عن قصد وتعمد ولا ظل للحقيقة فيها، فليس على الأستاذ المؤلف من غبار إذا حكم حكمه الحاسم، واحتقر هذه التهم كي لا يجري الوهم إلى تصديقها، وتصير في الأذهان اعتقاداً وهي مجرد إرجاف ومراء.

ومع هذا فقد أورد المؤلف كثيراً من صفات ابن خلدون غير المحمودة، واعتمد في إيرادها على أقوال ابن خلدون نفسه وأعماله، فلقد نعى عليه خلتين: أولاهما تلونه ووصوليته، وثانيتهما كبرياؤه وصلفه. أبرز هاتين الخلتين إبرازاً جلياً، فانه ليقول في القسم الأول من

<<  <  ج:
ص:  >  >>