للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتابه أن ابن خلدون كان من عباد الحوادث، وكان ينتهز الفرص ويسعى لها بأي الوسائل (ص ٢٨) مهما نافت الوفاء والولاء والعرفان (ص ٤٨) وجلا هذه الخلة في مكان آخر من الكتاب قال: (وكان ابن خلدون يصدر في خططه وأعماله عن احتقار عميق للعاطفة والأخلاق المرعية، وكان يسيره مثل ذلك الروح القوي الذي أعجب به مكيافللي فيما بعد.) وأشار في كثير من المواضع إلى خلته الثانية من خلاله البارزة وهي خلة الكبرياء، وهذه الخلة قد تدل على عزة النفس وعظمتها فتكون خلة محمودة، وقد تكون متغالية فتصير كريهة مذمومة، ولقد أيد المؤلف تخلق ابن خلدون بها في بعض الأوقات وأنها كانت سبباً من الأسباب التي جعلت كثيراً من المصريين يناصبون الرجل العداء.

ومن دلائل هذه الخلة ما يقوله البشبيشي من أن ابن خلدون كان يكثر الازدراء بالناس (ص ٩٥) وما يقوله ابن حجر في كتابه رفع الأصر من أن ابن خلدون كان معروفاً بخلق الكبر والازدراء بمقام غيره، وروي أن القضاة دخلوا للسلام عليه حين تولى منصب القضاء فلم يقم لأحد منهم، واعتذر لمن عاتبه على ذلك.

وأورد المؤلف غير هاتين الخلتين البارزتين خلالاً أخرى عول في إيرادها على طائفة من الكتاب أثنت على ابن خلدون وأخذت عليه بعض المآخذ، فمن هؤلاء نذكر ابن تغري بردي وما قاله في المنهل الصافي من أن ابن خلدون كان محباً للمنصب، وما قاله ابن الخطيب الذي وسمه بالفضائل الجمة يأخذ عليه الخفة فيقول: (إنه كان بعيداً عن التأني)، وعلل تحامل رجال الدولة عليه إلى هذه الخلة. وابن حجر نقم عليه سوء الأدب أيام كان قاضياً فقال: (كان فظاً جافي الطبع، وكان يعزر الخصوم بالصفع).

ولم يقتصر المؤلف في سوق هذه الحقائق على أقوال الكتاب السالفين، ولكنه اعتمد في ذكرها على أقوال ابن خلدون نفسه في كتاب - التعريف - وهذا الكتاب هو ترجمة ابن خلدون لنفسه. وهذا التعريف الذي يتركه لنا ابن خلدون عن نفسه وحوادث حياته قطعة فريدة في الأدب العربي، فهو صورة حقيقية ممتعة لتلك الشخصية الممتازة الجريئة، رسمت في كثير من الحرية والصراحة، حتى إنها لتفصح في كثير من المواطن عن خلال صاحبها، وليست هذه الخلال دائماً مما يحمد أو مما تقر الأخلاق الفاضلة، فهناك الكبرياء والزهو والأثرة، وهنالك الطمع وحب التقلب وشغف الدس، وانتهاز الفرص بأي الوسائل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>