ويتضح كذلك فساد أن يكون شيئاً منقسماً تبعاً لانقسام الصورة العقلية التي يدركها مثلا. إذ لو كانت الصورة العقلية منقسمة لم يأت من مجموعها شبيه بها إلا بالزيادة والكم والمقدار مما سبق إن قلنا أنه خاص بالصور الخيالية - كما أن أحد أجزائها لن يدل على معنى الكل وإلا كان هو الكل ولميكن ثمة انقسام. هذا إذا كان القسمان متشابهين؛ إما إذا كان غير متشابهين فإنه يترتب على ذلك أن حد الصورة العقلية (الذي هو الجنس والفصل كما درستم في بابي الكليات الخمس والتعريف) يكون منقسما. وهو عند أبن سينا محال لأنه يبين هنا - وفي قسم المنطق من قبل - أن الأجناس والفصول متناهية وغير منقسمة، كذلك لا تنقسم الصورة العقلية إلى جنس من ناحية وفصل من ناحية أخرى؛ كل على حدة (بعد أن ثبت فساد انقسام كل على نفسه) وإلا كان نصف الصورة العقلية يحتوى نصف الجنس ونصف الفصل، وفي هذا خلف مع ما سبق إثباته؛ أو إذن لحل الجنس والفصل كل موضع الآخر وهو محال. فالصورة العقلية هي إذن مبادئ بسيطة قابلة لتركيب معقولات أكبر، دون أن يكون لها أجناس أو فصول، ودون أن تنقسم في الكم إلى أجزاء متشابهة أو غير متشابهة؛ وبالتالي فهي لا تحل في مقدار، والقابل لهذه المعقولات المجردة فينا هو جوهر غير جسمي أو مادي.
ولأبن سينا هنا حجة أخرى على تجرد الجوهر العقلي من المادة. . . مؤداها أن تجريد الصورة العقلية عن المكان والوضع والكم والأين وسائر المقولات فهو باعتبار وجودها الذهني وتصورها العقلي لا في الواقعي الخارجي، ومثل هذه الصورة العقلية المفارقة لمادتها لا يمكن أن تكون في جسم، وإلا فلو أن هذه الصورة العقلية المجردة قد انطبقت في جسم ذي جهات وأقسام لنتج محال وخلف لما فرضناه في البدء. وخلاصة القول أن محل المعقولات والجوهر القابل للصورة المجردة هو مثلها مجرد - ولا يمكن أن يكون جسماً أو في جسم بحال، على عكس الصورة المنطبقة في المادة والتي هي أشباح لأمور جزئية منقسمة لكل قسم منها نسبة بالقوة أو بالفعل لجزء من الشيء المادي أو لكله.
وإذ برهن أبن سينا بهذين الدليلين على تجرد الجوهر العقلي من المادة والجسمية أنتقل إلى النتيجة المنطقية التي تلزم هذا البرهان بالضرورة، وهي أن تعقل القوى العقلية المذكورة