أراد، أن يعتني بنا، ويحنو علينا، ويغني لنا. ولكنه كان يندفع جاريا دون أن يفكر في شئ سوى ما يحمله معه من سفن فاخرة.
وأخيراً فعل المد ما لم يفعله النهر، وأقبل وغطاني، فانتشت روحي بعد أن رقدت تحت الماء الخصر، وخالجها اعتقاد أنها مدفونة في البحر. وما انحسر الماء حتى رجعت إلى الطمي بين المهملات وعدت إلى مشاهدة الديار المهجورة وعادت إلي معرفتي بأننا جميعا أموات. ثم بدا لي نفق حالك وممرات سرية ضيقة تخترق ذلك الحائط الكئيب الواقع خلفي وقد غطته الأعشاب الخضر، فأقبلت منها الجرذان تتسلل لتقرضني، وابتهجت روحي عندئذ، واعتقدت أنها ستغدو حرة، فتخترق نطاق تلك العظام الملعونة التي رفض دفنها. ولكن سرعان ما ولت الجرذان هاربة مبتعدة عني، ثم جعلت تتشاور فيما بينها، ثم لم تعد إلى بعد ذلك. وهنا عرفت أني ملعون حتى بين الجرذان، وحاولت عندئذ البكاء دون جدوى. ثم أقبل المد وعاد يتأرجح حتى غطى الطمي المهول، وأخفى الديار المهجورة، وواسى الأشياء المهملة، وأراح روحي فترة وهي مدفونة في مياهه. وأخيرا هجرني وأبتعد.
وهكذا أصبح المد يقبل ثم يعود سنين عديدة، إلى أن وجدني بعضهم، فانتزعوني من الطمي ودفنوني دفنا لائقا. وما أن رقدت في أول رمس حتى عاد أصدقائي وأخرجوني منه وأعادوني إلى حفرتي في الطمي.
وكم من المرات تجد عظامي مدفنا لها على كر السنين، وفي كل مرة يكمن أحد هؤلاء الرجال المرعبين، حتى إذا ما أتى المساء يقبل فيحفر ثم يخرجني من رمسي ويحملني ويعود بي إلى حفرتي الأولى.
وفي ذات يوم مات رجل من هؤلاء الذين فعلوا بي هذا الفعل المروع. وسمعت روحه تتصاعد فوق النهر عند الغروب. وحينئذ أشرق في روحي الأمل.
ومرت الأسابيع عندما وجدوني مرة أخرى، فأخرجوني من ذلك المكان المتقلقل ودفنوني في أعماق الأرض المقدسة. وعاود روحي الأمل في أن تظل هناك أبدا. ولكن سرعان ما أقبل رجال متشحون بالمعاطف ويحملون الشموع، وأعادوني إلى الطمي، لقد أصبح ذلك الأمر لهم تراثا وتقليدا. وسخرت مني المهملات في قلوبها الصم عند عودتي، فقد كانت