تغار مني لتركي الطمي. وكنت لا أزال أذكر أني لا أستطيع البكاء.
ومرت السنين تجري كما يجري النهر صوب البحر حيث الزوارق ترحل وتعود السفن الهائلة الهائمة يبتلعها الموج، وما زلت راقدا بلا أمل، لأني لا أجرؤ أو آمل دون سبب، نتيجة حسد المهملات المروع وغضبها الشديد.
وفي ذات يوم هبت عاصفة هوجاء، أقبلت جنوبا من بعيد، قادمة من البحر، ثم عرجت على النهر تصاحبها الريح الشرقية العاتية، وتغلبت على الجزر وهي تسير في خطى واسعة فوق الطمي الغافل. وابتهجت المهملات واختلطت بغيرها من الأشياء المبتهجة، وانساقت السفن الفاخرة وهي تطفو من أعماق الماء، وأخذت العاصفة عظامي من مرقدي الموحش، فشعرت بأمل يترعرع في نفسي في أنه لن يعكر على الجزر صفو مرقدي بعد ذلك. وعندما أنحسر المد كانت العاصفة قد ولت تقتفي أثر النهر صوب الجنوب، ثم عادت إلى مقرها بعد أن تعثرت عظامي بين جزر كثيرة على طول السواحل. وكادت روحي أن تتحرر من أغلالها عندما أرتفع المد الدافق تحت ضوء القمر وعبث بما تركه الجزر، ولم عظامي من هذه الجزائر وعاد بها من هذه السواحل، ثم ذهب ينثني صوب الشمال حتى وصل إلى مصب التيمس، وهناك تحول غربا والتقى بالنهر وصعد معه حتى أقبل إلي الحفرة فألقى فيها عظامي. ثم أنحسر المد فشاهدت أعين الديار الميتة، وشعرت بغيرة المهملات التي لم تحملها العاصفة.
ومرت قرون على ذلك التنازع بين المد والجزر، ولا زلت تحت قبضة الطمي بين هذه المهملات الموحشة، وأنا عاجز عن التحرر من أغلاله. واشتقت إلى حنان الأرض الدافئة، وأحضان البحر الخصم.
وكان الناس بعض الأحيان يعثرون على عظامي فيدفنونها. ولما كانت التقاليد لا تزال على حالها من الوجود فقد أصبح خلفاء أصدقائي يقومون دائما بإعادتي إلى الطمي. وأخيرا أنقطع إبحار السفن، وخبا ضوء النهار، ولم يعد يطفو على الماء إلا جذوع الأشجار القديمة وقد اقتلعتها الريح من جذورها. وشعرت مع الزمن بنمو الأعشاب بجواري وأخذت الطحالب تنبت فوق الديار الميتة. جعلت أراقب هذه التطورات سنين عديدة إلى أن تأكدت تماما أن لندن في طريقها إلى الفناء. وحينئذ أشرق الأمل مرة أخرى، مع أني كنت أعرف