الاشتباك في حرب بين هؤلاء المتنافسين، كتلك الحرب التي شبت بين الأتراك والسودان في عهد المستنصر والتي لم تهدأ إلا بعد أن جلبت الخراب على مصر. وقد يثير الطامعون في الحكم الفتن بين هذه الفرق ليستنصروا ببعضها على بعض، فتندلع نيران الحرب بين الفريقين كما فعل الأمير حسن ابن الحافظ لدين الله الذي كان يبغي أن يكون ولي العهد يدل أخيه حيدرة، فإنه أثار الفتنة بين الطائفة الجيوشية والطائفة الريحانية، والتقى الفريقان في معركة قتل فيها ما يزيد على خمسة آلاف نفس؛ وكانت الوقعة هذه أول مصائب الدولة الفاطمية وكما حدث في الحروب التي قامت بين شاور وضرغام.
هذا المزيج إنما يصلح لدفاع الصليبين إذا وجد القائد القوي المدرب، أما وقد ضعف الخلفاء، وأصبح هم وزرائهم الأول الاحتفاظ بالسلطة في أيديهم، فقد أبقى الوزراء الجيوش الموالية لهم في مصر لتوطيد شوكتهم في البلاد، فلم يكن موقف الجيش المصري من الحروب الصليبية الأولى ناشئاً من قلة كما سنرى وقد حاول الأفضل بن أمير الجيوش أن يستعين بالمغاربة على حرب الصليبين ولكن لم ينجح.
وكان الجيش بالشام في تلك الفترة من الزمن بالإمارات المختلفة مكوناً من العرب ولا سيما البدو، ومن الترك.
والظاهر أن أقوى الفرق بمصر عندما جاء إليها صلاح الدين كانت الفرقة السودانية التي أعتز بها السودانيون، فنزحوا إلى مصر، وصار لهم بها شوكة وقوة، وكونوا لهم في كل قرية ومحلة وضيعة مكاناً مفرداً لا يدخله وال ولا غيره احتراماً لهم، ويبدو أنه عز على الطائفة أن ترى صلاح الدين وجيشه الجديد يغتصب مالها من القوة والنفوذ، فدبر زعماؤها المكائد له، ولكنه بادر بقتل زعيمهم، ومهاجمتهم في حيهم، فهزمهم وخرب حارتهم المنصورية وتتبعهم في بلاد الصعيد حتى أفناهم.
كون صلاح الدين جيشاً معظمه من الأكراد. قال ابن إياس: (لما ملك صلاح الدين أزال ما كان بمصر من العناصر الملفقة وكانوا بين صقالبة وكدانة ومصامدة وأرمن وثنائرة العرب والعبيد السود، فمحا تلك الطوائف جميعها، واتخذ بمصر عساكر من الأكراد خاصة، فكان عدتهم أثنى عشر ألف فارس من شجعان الرجال الذين لا يكلون من الحروب، ولكن يظهر أن الجيش في عهد صلاح الدين أيضاً لم يكن موحد العنصر من الأكراد بل كان فيه ترك