على آلهة عدة لكل منها دوره في تدبيرها. كان البراهمة كهنة لهذه الديانة جمعوا بين العلم والدين، وليس هذا بعجيب إذا علمنا أن القادية مشتقة من قيداس أي العلم، وقد تطورت الديانة القادية بفضلهم تطوراً اقتضاه تبدل الأحوال، وارتقاء التفكير؛ فخرج المذهب البرهمي في القرن التاسع قبل الميلاد بفكرة فريدة في هذه العصور الخالية التي تسود فيها الوثنية أو تعدد الالهة، هي فكرة الإله الواحد رغم تعدد مظاهره. يراهما الذي أخرج العالم من ذاته، والذي يحفظه ويرعاه، والذي يهلكه ويفنيه. فهو ثلاثة في واحد، أو هو واحد ذو مظاهر ثلاثة، هو براهما من حيث هو مبدأ الوجود، وهو (فشنو) إذا نظرنا إليه من حيث عنايته بالكون والمحافظة عليه، وهو (سيفا) من حيث كونه المهلك. وما براهما وفشنو وسيفا غير أسماء ثلاثة لإرادة واحدة لا حد لها، وقدرة فريدة لا نهاية لها. أما الموجورات أو الجزيئات التي ندركها بحواسنا، فهي مجرد مظاهر حسية مفكرة لحقيقة كلية واحدة هي (براهما) المنبث في أرجاء الكون جميعاً. وهكذا يبلغ البراهمة نظرية فلسفية سوف تصادفنا كثيراً في سياق الحديث عند التاريخ الفلسفة؛ تلك هي نظرية الحلول؛ نصادفها عند متصوفة الإسلام في القرون الوسطى وسبينيوزا في العصور الحديثة. وقد ارتكزوا على هذه النظرية في تفسير الخير والشر والسعادة والشقاء؛ فأرجعوا الخير والسعادة واللذة إلى الوحدة، واعتبروا الكثرة والوهمية والرغبة في الانفصال عن الإرادة الكلية علة الألم والشر والشقاء في الحياة الدنيا؛ وعليه يصبح بلوغ السعادة عملاً يسيراً، فما عليك إلا أن تستجيب لنداء الوحدة والحقيقة، فتتجرد من لذات البدن، وتتجرد من أوهام الحواس التي تفصلك عن الكلي اللانهائي، وتقطعك عن الأصل الإلهي؛ ولا يتأتي ذلك إلا بمجاهدات نفسية، ورياضات جسدية عنيفة، تأخذ نفسك بها كما يفعل اليوم فقراء الهنود الذين يتصلون بسبب قريب بهذه الفلسفة القديمة البدائية وهنا نلمح كيف أدت النظرة الهندية للعالم إلى نظرية عملية، تستهدف تدبير حياة الفرد والجماعة بما يكفل لهم سعادة أبدية. وهذه لعمري ميزة تسم الفكر الشرقي القديم: أعني بها عدم الوقوف عند تفسير العالم الطبيعي وتجاوز ذلك إلى مباحث أخلاقية في الخير والشر، والسعادة والشقاء، واللذة والألم، مباحث أفضت إلى حكمة عملية، ونقصد بالحكمة العملية ذلك الجانب من الفلسفة الذي يتناول بالبحث مبادئ الأخلاق والسياسة.