والحدوث، والخلود، وعدم التناسخ - فبعد تناول الذات يقرر الصفات، كما تفعل في قسم الإلهيات حين يورد البراهين لإثبات واجب الوجود (الله) ثم يتبع ذلك بإثبات صفاته. وأول ما يتناول من هذه الصفات حدوث النفس أي أنها ليست قديمة ولا أزلية، بل مخلوقة وحادثة ولم توجد قبل البدن بحال - لأنها إن وجدت قبل البدن كانت ذاتاً واحدة أو ذوات متعددة. فإن كانت الأنفس كثيرة ومتعددة قبل حلولها في الأبدان لزم عن ذلك محال؛ لأن تغايرها حينئذ كجواهر مجردة ذات صورة واحدة لن يكون من حيث الماهية أو العدد، بل من حيث القابل أو الحامل لها الذي هو البدن - فقد بطل إذن أن تكون مختلفة الذوات. وبمثل ذلك يبطل أن تكون النفس واحدة، لأنها إن كانت كذلك فكيف تنقسم في أجسام كثيرة أو تحل في أبدان عديدة؟ فالنفس إذن تحدث بحدوث البدن وتولد معه تدبر أمره وتديره. وتظل تعني به وتكمله إلى أن تفارقه.
وحين يموت البدن لا تموت النفس، لأن فساده لا يترتب عليه فسادها، فهي ليست متعلقة به أي نحو من التعلق: فلا هي مكافئة له في الوجود، ولا هي متأخرة عنه في الوجود، ولا هي قبله بالذات أو بالزمن كما سبق أن أوضح ذلك. أما علاقة التكافؤ فباطلة، لأن التكافؤ إن كان ذاتياً كان النفس والبدن جوهرين أحدهما مضاف إلى الآخر، وإن كان عرضياً بطل الذاتي منهما بفساد العرضي ولم يفسد مثله. ولن يكون ثمة تكافؤ على أي حال. وأما علاقة التأخر في الوجود بالنسبة إلى النفس فباطلة أيضاً، لأن الجسم حينئذ سيكون علة وجودها، ويمتنع أن يكون البدن علة فاعلة للنفس؛ لأن الجسم في ذاته غير فاعل، وصورة المادية لا تفعل إلا بالقوى الروحية التي فيها، كما يمتنع أن يكون البدن علة قابلة للنفس، لأن النفس ليست منطبعة في البدن، ولا هو مقصور بصورتها في كله أو في جزء جزء منه - كما بين ذلك في حديثه عن تجرد جوهرها - ويمتنع كذلك أن يكون البدن علة صورية أو مكملة للبدن، إذ العكس أدنى إلى الحق، فليست النفس معلولة بالبدن، وبالتالي لا علاقة لها به على أساس التأخر في الوجود. حقاً إن البدن علة بالعرض لوجود النفس؛ لأنه متى وجد محل وجودها ومملكتها أحدثتها العلة الفاعلة الإلهية (العقل الفعال) لتحل فيه، فالمادة سابقة بتهيئها واستعدادها لقبول النفس، ولكن النفس توافيها حالما يتم لها هذا التهيؤ والاستعداد حتى لا تبقي الآلة معطلة. والذي يعنينا هنا أن وجوب حدوث النفس بحدوث الجسم لا