يستلزم وجوب فسادها بفساده؛ فهي من جوهر غير جوهره، وواهب هذه الصورة النفسية (العقل الفعال) غير جسمي كذلك: فهو العلة الفاعلة الحقيقية للنفس. وليس تقدم البدن على النفس في الوجود - إن صح - تقدم علة لمعلول بحال.
أما العلاقة الثالثة: تقدم النفس على الجسم في الوجود - فهو إما تقدم زمني - فلا يكون ثمة علاقة - أو تقدم ذاتي فليزم أن يحصل المتأخر كلما حصل المتقدم بحيث إذا انعدم المتأخر فلا بد أن يكون قد حصل للمتقدم في نفسه شيء أعدمه؛ يعني أن فساد البدن يرجع حينئذ إلى فساد في النفس ذاتها ترتب عليه فساد البدن، ولكن فساد البدن وتحلله - كما تعلم - هما من ذاته، فبطل إذن تعلق النفس بالبدن علاقة تقدم زمني أو ذاتي. ويطلب بذلك أنواع العلاقات الثلاث كلها، وثبت أن النفس لا تموت بموت البدن.
بل إن النفس لا تقبل الفساد أصلاً؛ يعني أنها أبدية خالدة وحجته في ذلك قوية رائعة، فالشيء الذي يقبل الفساد فيه البقاء بالفعل والفساد بالقوة ولا يجوز أن يجتمع هذان المعينان في الأشياء البسيطة المفارقة وبالجملة في أي شيء ذاته واحدة. فإن عرضاً لشيء فلا بد أن تكون ذاته مركبة من شيء إذا حصل كان باقياً بالفعل. وإذا امتنع كان فاسداً بالفعل (ولكي تصلوا إلى فهم ابن سينا هنا اذكروا ما درس لكم من أن أساس الملكة والعدم في المنطق الواحد. وابن سينا يعترض هنا على جعل أساس للملكة وأساس للعدم - أي للبقاء والفساد - هذا بالفعل وذلك بالقوة. وما دامت النفس بسيطة غير منقسمة أو مركبة، وباقية بالفعل؛ فهي لا تفسد، وليس لها قوة فساد. أما الذي يفسد فهو المادة المركبة التي لها قوة أن تقبل البقاء وتقبل الفساد.
والنفوس لا تتقمص ولا تتناسخ. فقد أوضح من قبل أن حدوث النفس إنما يكون نتيجة تهيؤ الأبدان لقبولها، هذا التهيؤ يقتضي وجود النفس أصلاً كعلة مفارقة جديدة لا متنقلة من بدن أخر - ولو كانت النفوس تتناسخ الأبدان واحداً بعد آخر لكان حلولها فيها من قبيل الصدفة العرضية البحت. ولكان التكثر في هذه النفوس يحدث من قبيل الاتفاق والبخت (فارسي معرب يراد به المصادفة بالفرنسية أو بالإنجليزية). بينما إثبات حدوث النفس بالطريقة التي تقدم ابن سينا يجعل علة طول الأجسام في الأبدان بعد تمام تهيئها في الإنجليزية والفرنسية هي ما نقصد هنا بالتهيؤ) علة ذاتية ضرورية لا مجال فيها للصدفة أو الاتفاق