للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وارتاع من مر النسيم به ضحا ... فغدت كمائم زهره تتفتق

وسرى شعاع الشمس فيه، فالتقى ... منها ومنه سنا شموس تشرق

والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالنعيم ويغبق

والطير ينطق معربا عن شجوه ... فيكاد يفهم عنه ذاك المنطق

غردا يغني للغصون فينثني ... طربا جيوب الظل منه تشقق

والنهر لما راح وهو مسلسل ... لا يستطيع الرقص ظل يصفق

فتمل أيام الربيع، فإنها=ريحانة الزمن التي تستنشق

فهو قد رسم لك بشعره ذلك صورة جميلة للرياض والزهر المتفتح الذي ارتاع من مر النسيم في الضحا فتفتحت أكمامه، وقد كان الندى عليه كحبات العقد فأضحى عليها كالتاج أو النطاق، ثم هذه الغصون المياسة كأنها سكرى والطير يغني على تلك الغصون فتهتز لهذا الغناء طربا، والنهر يصفق فرحا، والشمس تلقى أشعتها على هذا الجمال كله، فيبدو للمرء منظره وأبدع ما في الطبيعة من مناظر الجمال.

٤

لشاعرنا المحيوي موشحات عارض بها سواه، وهي تعد بحق من أجمل الموشحات وأبدعها، وأنت تحس في بعض موشحاته بآثار الصنعة اللفظية ظاهرة جلية، وهو حين يعارض سواه في موشحاته يضمن موشحه أول بيت من الموشح الذي عارضه، ولذلك يضطره الحال إلى أن يدع المدح وينتقل منه إلى الغزل على عكس السنة المعروفة لدى الشعراء.

ولقد كان شاعرنا فخوراً بشعره الفخر كله، مملوءا به تيهاً، يعتقد أن شعره يفوق شعر غيره ويسمو عليه حتى قال:

إن القري - وإن تكاثرساكنو ... أفيائه - للعبد فيه الأوحد

وكان أحياناً لا ينشد الممدح قصيدته إلا بعد أن ينشده سواه ليتمكن الممدوح من أن يرى الفرق بين شعره وشعر غيره، غير أنه في بعض الأحيان كان لا يجد مركزه وما يواتيه به الدهر متناسبا مع جودة شعره وبلاغة قوله فيشكو ويلح في الشكوى، ويتألم أشد الألم، ولقد كان شعره فضلا عن عذوبته التي تحس بها جاريا على قوانين النحو والصرف إذا استثنينا

<<  <  ج:
ص:  >  >>