وما هي إلا عشية أو ضحاها حتى جاء الدائن يجر الدائن. . . يستوفون ديونهم من ميراث (سعادة البك)، وجلس الكاتب يكتب والحاسب يحسب، فإذا سعادة البك لا يملك ما يسد به دينه، وإذا أنت صفر اليدين. ولكن ابنة (البك) ما تزال هي!
ومرت الأيام وابنة (البك) لا تستطيع أن تكون زوجا لك، فهي في أبهتها وكبرياءها لا تنزل عن حاجة من حاجاتها، وترفعت - بادئ ذي بدئ - عن يبدو عجزك أمامها، فهل استطعت أن تشبع رغباتها وهي تنطلق كل ليلة إلى ضجة الحياة الليلية: تهفو إلى السينما، وتسعى إلى المسرح، تصبو إلى الخمر، وتحن إلى القمار، ثم هي لا تصبر على الدار، لأنها تحب الشارع، وفي الشارع أساليب من الحياة تنزع عنها الملل والضيق؟ هذا المال الذي ضننت به على نفسك وعلى أبيك، وبخلت به على اخوتك وأهلك، ينسرب اليوم من بين يديك في غير مهل ولا روية؛ فأنفقت في يوم غلة شهر، وأنفقت في شهر غلة سنة، وأنفقت في سنة ما ادخرت منذ تخرجت في الجامعة؛ ثم امتدت يدك إلى ميراثك تبعثره، وما هو بكثير!
ثم أسقمك السهر وأضناك التعب وعلقت بك الخمر وشغفت بالميسر. . . ومرت سنة أخرى، فإذا ميراثك كله - وهو عشر فدادين فحسب - قد تبدد وتناثر!
وهكذا - يا رفيقي - لم يبقى لك سوى راتبك الحكومي، وأنت بين أدواء ثلاثة: الخمر والميسر والزوجة. . . وسوّل لك الشيطان - مرة أخرى - فركبك الدين والدائن معا!
وفقدت صحتك ومالك، فتراءيت في نظر زوجك شبحا لا تستطيع أن تكون رجلا، فأخذت تنظر إليك شزرا وتحدثك في احتقار، تمتهن قولك، وتزدري رأيك، وتسخر من جهلك، وتتطاول عليك تثلبك وتثلب أهلك. . . ثم. . . ثم طارت عنك مع واحد من ذوي الثراء، لتذرك على فراش المرض وحيدا، تلتهمك هموم المرض والدين!
والآن. . . هل تذكر تاريخك؟ لقد عجمتك الخطوب، وراضك الزمن، ولكن بعد أن توزعتك الأحداث، وعصفت بك الأحزان، ولزمك المرض والفقر؛ فأنت هيكل يتهادى في مزق بالية، تقتحمك الأعين، وتعافك الأبصار!
يا عجباً، لقد كنت منذ سنوات تدل بمالك وصحتك وعقلك، فتعاليت على أهلك وأقاربك. والآن حين ضربك الفقر والمرض والذهول، ذهبت تستجدي عطفهم ولكن. . .