أقاربك، حتى عمتك رفضت أن تدخل الحجرة التي عزلت فيها خشية أن يصيبها ما أصابك! أما زوجة أبيك فقد قضت أربعين يوما تقدم لك الطعام وتؤاكلك وتجلس معك وتداعبك وتخفف عنك وعكة المرض وقسوة الوحدة، وأبوك ينضر ويبتسم لما يرى من عطفها عليك، وهو يشعر براحة القلب وهدوء البال من أثر ما تفعل. ستقول أنها فعلت لتكسب رضاء أبي ومحبته، ولكنها تحملت - يا رفيقي - في سبيلك ما ضن به أقرباؤك عليك!
ونسيت إن من بين أخوتك من كان يحمل إليك الزاد من القرية لا تزعجه وعثاء الطريق ولا يصرفه عناء السفر، ومن كان يفرج أزمتك وأزمات الطالب لا تنتهي، ومن كان يخفف عنك متاعب الحياة ومصاعب الدرس؟!.
نسيت كل ما كان وأصررت على أن تفزع الطير الآمن عن عشه!
لقد ركبك الغرور والشيطان فتماديت وتماديت، لا ترتدع من دين، ولا تفئ إلى خلق، ولا تسمو إلى إنسانية، ولا تترفع عن مادية. وتململت السماء من وحشيتك فأرادت أن تنتقم من أرضيتك!
يا لله، لقد ضل هذا الفتى حين ركبه الغرور والشيطان فغشي بصره، وشغل عن سواء السبيل، وغفل عن إن في السماء عقاب لا يمهله. . . فماذا كان؟
آه - يا رفيقي - لقد بدأت الروحانية تنتقم منك - أول ما بدأت - في أسلوب حلو جميل، تتضوع من ريح المطر واللذة والسعادة والمال. كان ذلك حين طرقت باب (فلان بك) تخطب إليه ابنته، فما تمهل وما تعوق، وحين زفت هي إليك في ثوبها الأبيض الناصع الجميل، تتألق في ثلاثة منابع من النور: نور وجهها المشرق الجذاب، ونور جواهرها الوضاءة المتلألئة، ونور الكهرباء المتناثرة في المكان؛ وحين جلست إلى جانبك على عرش الورد، والموسيقى ترسل أنغامها الشجية الأخاذة، فتملئ المكان نشوة وطربا. . . حين ذاك نسيت أنك أنت!
ثم مات (سعادة البك) فطرت أنت فرحا، وقضى الناس ليلتهم في حزن ونواح، أما أنت فانزويت في ناحية تحدث نفسك حديث الثراء الذي ورثته زوجك من أبيها ليكون ملكا لك، وسيطرت عليك النشوة فسلبتك وقارك، فرحت تنشر ذات نفسك على رفاق من رفاقك!