ناحية أنها تعتمد فاعلين لفعل واحد؛ فما اعتراها الضعف إلا لأنها تلحق بالفعل علامة التثنية والجمع عند إسناده إلى ظاهر مثنى أو مجموع، إذ ليس ثمة حاجة إلى هذه العلامة والواو في الجملة حرف وليس بضمير - كما ظن - حتى تكون فاعلا على هذه اللغة (شرح ابن عقيل قول ابن مالك في باب الفاعل):
وجرد الفعل إذا ما أسندا ... لاثنين أو جمع كفاز الشهدا
وأخطأ الكاتبان القصد، إذ يرى الأول أن تستبدل اللغة العامية باللغة العربية الفصحى، ومعنى ذلك إهمال اللغة العربية وإهدار قواعدها، وإفساد نظامها؛ وإذ يرى الثاني أن تترك المفردات الفصيحة ويستعاض عنها بالمحرف والدخيل، فإنه إذا ضم رأي كل منهما إلى رأي صاحبه كان منهما مزيج قاتل للغة مفسد لمفرداتها وتراكيبها، هادم لقواعدها، مود بنظامها، مقوض لبنائها المحكم الرصين. يقول عبد الحميد أفندي عمر إنه لا يرى مانعاً من أن يستعمل الخاصة ما يجري على ألسنة العامة في المخاطبات والمكاتبات بدلا من الفصيح، إذ قد ورد في التنزيل الحكيم نظير هذا الاستعمال، وإنه لا يهمه الاختلاف في أوجه الإعراب، ولا يعنيه أن تكون كلمة (الذين) وكلمة (كثير) في الآيتين فاعلا أو بدلا ما دام الاستعمال قد ورد به. ولم يدر أن الإعراب هو الذي يفتح مغاليق الكلام ويبين أغراضه ومعانيه ويكشف عن وجه الدلالة فيه فيعرف الحسن المقبول ويتميز المردود المرذول.
وإذا كان لا يدري لم يمنعون أن تستعمل جملة (حضروا الرجال) كما تستعمل كلمة (الرجال حضروا) وأن تكون مساوية لها، فليعلم أنه يمنع من المساواة بينهما أمور بعضها يرجع إلى اللفظ وبعضها يرجع إلى المعنى. فما يرجع إلى اللفظ الثقل الذي جبه حرف العلة الساكن الذي جئ به ليكون علامة على الجمع دون حاجة داعية، فإذا حذف لالتقاء الساكنين بقي الفعل مضموم اللام فيلتبس عند الوقف على الرجال بالاسم الدال على المعنى المقابل للبدء، وذلك خلل لغوي، وإذا ضم الفاعل بقي الثقل الناشئ من توالي ثلاث راءات أولها مضمومة وباقيها مكسور، وهي مع اللام الأخيرة في الرجال تخرج من اللسان، وانتقال اللسان من ضم إلى كسر ثم ضم في حروف متحدة المخرج تقريباً فيه صعوبة لا تخفى. فالجملة الأولى (حضروا الرجال) تشتمل على مخالفة القياس بضم آخر الماضي حيث ينبغي أن يفتح وفيها ثقل قد عرفته وتعقيد قد تبينته. ثم إن فيها وراء ذلك مانعاً آخر