حسابهم ودنو وقت جزائهم وعقابهم على ما فرطوا في جنب الله، وإذا أتاهم ذكر من ربهم استمعوه وهم يلعبون، لاهية قلوبهم وأسروا النجوى استخفافاً واستهزاء بمن يذكرهم مستنكرين أن يكون أهلا لأن يخصه الله بأن ينزل عليه الذكر من بين قائلين (هل هذا إلا بشر مثلكم) فالضمائر كلها جارية على جماعة الناس، ولما كان الخاصة من الزعماء والقادة هم الذين يقاومون الداعي إلى الحق والمذكر به ويتناجون فيما بينه بما يتناجون به من الكيد له والاستهزاء به والعامة تبع لهم فيما يكيدون ويدبرون أسند الأسرار إلى الضمير العائد إلى الناس إشعاراً بأن العامة كفلا من أوزار الخاصة لمتابعتهم لهم. ثم أبدل الاسم الموصول من الضمير لبيان من يصدر عنهم الأسرار بالنجوى وقول الزور على الحقيقة وهم أولئك الزعماء الذين ظلموا أنفسهم بالإعراض عن الحق استكباراً وظلموا الناس بإظلالهم وصرفهم عنه وصدهم عن سبيله استبقاء لنفوذهم وحفظاً لسلطانهم؛ ولم يقل وأسر النجوى الذين ظلموا يؤذن بانقضاء الحديث عن الناس عند (لاهية قلوبهم) وابتداء الحديث عن أناس ظالمين يسرون النجوى في أمر الرسول واتهامه بأنه ساحر الخ فينقطع حبل الكلام ويختل نظمه ولا يتأدى الذي تأدى بإسناد الفعل إلى ضمير ثم إبدال الاسم الموصول منه. هذا إلى أن البدل مؤذن بفعل مماثل للفعل المذكور، لان البدل عندهم على نية تكرار العامل فيفيدنا تأكيد حصول الإسرار بالنجوى من الذين ظلموا. وعلى هذا النحو يسهل على العارف أن يتبين ما في آية المائدة:(أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا، كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا وفريقاً يقتلون. وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم، ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون) فيعرف ما فيها من أسرار البلاغة. هذا.
أما بعد غشيت العرب والمسلمين غاشية ليس لها من دون الله واقية، وأزفت الآزفة حتى غدت أبصارهم لها كاشفة، فهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون؛ بل غدوا على حرد قادرين ولأنفسهم ظالمين، وعن دينهم معرضين، ولشريعة الله هادمين، ولكتاب الله ولغة العرب محاربين. يعبث بلغة القرآن صبيانهم، ويجرؤ على الطعن في كتاب الله والقول فيه بغير علم جهلاؤهم وكبراؤهم، ويطفئون نور العلم في معاهده ويأتون بناء الدين واللغة من قواعده، حتى عمت الطامة. واستحكمت الغمة، وحقت