على ما لم نمتحنه بعد. فالاستقراء انتقال مما امتحناه إلى ما لم نمتحنه، والمعرفة التي تظهرنا بالتجربة الماضية على شيء لم يحدث من التجربة بعد هي اعتقاد لا نؤيده ولا نرفضه، ولكنه متأصل في نفوسنا بهذه التجربة.
وإليكم المبادئ العامة الأخرى التي تخلص لنا بالاستدلال من المحسوسات، والتي ليس لها من اليقين إلا ما نستمده من التجربة أيضاً، والتي حين تبرهن التجربة على يقينها وصحتها تصبح هي مبدأ يبرهن به عن طريق الاستدلال منه. هذه المبادئ من الوضوح لدرجة أنها تقوم في أساس كل استدلال عقلي، فلا مجال للشك فيها، لأنها تقوم في العقل كبديهيات مسلم بها. وأهم هذه المبادئ ما يسميه المنطق: قوانين الفكر الثلاثة:
قانون الذاتية ورمزه: أليس (ب).
قانون التناقض ورمزه: أليس (ب) و (لا - ب) في وقت واحد.
قانون الثالث المرفوع ورمزه:(أ) إما (ب)(أو لا ب).
وكذلك المبدأ المنطقي: ما ينتج عن مقدمات صادقة فهو صادق، ولا يقتصر الأمر في هذه المعارف الأولية على مبادئ المنطق، بل يوجد في الرياضيات مثلا البديهية التي تقول: المساوي لأحد المتساويين يساوى الآخر، ورمزها: أ=ب، ب=ج ? أ=حـ؛ وفي الأخلاق المبدأ الذي يقول: الإنسان ينشد السعادة ويتجنب الألم؛ وفي الاقتصاد المبدأ القائل: الإنسان يسعى بفطرته لخير نفسه. . . فكل هذه مبادئ لا نستنتجها من الأمثلة، بل نوضحها بذكر أمثلة لها، فهي أولية عقلية غير مأخوذة من التجربة، بل موجودة في العقل كبديهيات
وبالجملة يجب أن تفرقوا بين أحكام كلية تركيبية هي في أصلها تعميمات تجريبية (كل إنسان فإن) ومبادئ أولية عقلية غير مستنتجة بل موجودة أصلا في العقل (كمبادئ الهندسة والأخلاق والاقتصاد والمنطق التي ذكرنا). أما الأولى فنحصلها بالاستقراء الذي هو تعميم وانتقال من جزئيات إلى كلى أعم واشمل، وأما المبادئ العامة الكلية فقد تكفل بتفسير وجودها. في أذهاننا (كانت) الألماني حين ميز بين قضايا تحليلية وأخرى تركيبية؛ الأولى فطرية هي بمثابة قوالب في الذهن أولية وسابقة قبلية (ومن الخير هنا أن ترجعوا إلى نظريتي هيوم وكانت من الفصل الثامن وخصوصاً في تفرقة كانت بين الشيء في ذاته والظاهرة، والفرق بينهما وبين الشيء الطبيعي ومعطيات الحس عند رسل في الفصول