(فريهان) وكان نطقهم للعربية فصيحاً. ولا آخذ عليهم غير بعض التكلف في الشخصيات الفكاهية كشخصية (قاسم) رئيس الحراس)، فإنه وإن كان قد قصد به الإضحاك إلا أنه كان مفرطاً في تكلف حركاته.
وأما (الصعلوك) فهي مسرحية قوامها شخصان (درديرى أفندي) المفلس الطروب الذي يتردد على (وحيدة هانم) فينقل إليها أخبار المجتمع وفضائح الناس، ويتلقى هو منها الإهانة والسخرية بالحمد والشكران. ويخبرها في نهاية حديثه معها بأن في جيبه ألف جنيه ويبرزها لها، ويقول أنه سينفقها في ليلة واحدة. فتتبدل وحيدة هانم إزاء درديرى أفندي امرأة أخرى ناعمة متكسرة مدللة، ويلبى النداء، ولكنه سرعان ما يغير سلوكه معها ويمزق الأوراق المالية ويسخر منها.
والحوار يدلنا على حقيقة شخصية درديري أفندي وفلسفة حياته، فهو ينفق ما يقع في يده من مال دفعة واحدة لينعم باللذة إلى أقصى حد، ثم يعيش في ضنك وبؤس، أو كما يجري على لسانه: يذوق حلو العيش ومره. وهو يرى الحياة قد فرضت عليه الذل والحرمان فهو وإن كان يُضحك من يسخرون منه إلا أنه في أعماقه يمقتهم ويتوق إلى إذلالهم والثأر لنفسه منهم ومن المال لأنه سبب شقائه.
وقد قام كل من ملك الجمل (وحيدة هانم) وعبد الغني قمر (درديري أفندي) بدوره خير قيام.
وهكذا ترى المسرحيتين تقومان على التحليل النفسي، والإبداع في هذا التحليل أنه مصوغ في قالب سهل صياغة فنية ممتعة، فالأداء الفني يدنو بالموضوع الرفيع من العقول كما يخاطب به القلوب، ولست أفهم الفن المسرحي إلا أن يكون المسرح (بهلوانية) وهراء.
أما طلبة معهد التمثيل وطالباته، الذين قاموا بتمثيل تينك المسرحيتين، فقد بعثوا في قلوي عشاق المسرح الطمأنينة على مستقبل الفن الجميل في مصر. وما أجدر خريجي هذا المعهد أن يأخذوا أماكنهم اللائقة بهم في الفرقة المصرية، فيملئوا فراغاً كبيراً بها، وحقاً إن الفرقة تضم الآن بعض هؤلاء، ولكن لا تعطي لهم إلا الأدوار الثانوية، ويصر الممثلون والممثلات الذين يعملون على المسرح منذ ثلاثين عاماً على أن يمثلوا أدوار الفتيان والفتيات الأوائل. . . أفلا يفسح ذوو الوجوه المتغضنة التي يتعب (الماكياج) في إصلاحها، لهذه الأزهار المتفتحة في الوجوه الجديدة. . .؟