حتى صار وجهي في مستوى وجهها، وقلت (لا تهربي إني عمك (فيل)). وحاولت أن تبتسم في أدب ثم ارتجفت عضلة على ركن فمها بعد أن تلاشت ابتسامتها.
سألتها في رقة (لماذا تخافينني؟ إني أعرف والدتك منذ زمن طويل. وها قد مضت عشرون عاماً دون أن أراها. أليست تلك مدة بعيدة؟ لقد أخبرتني أن أحضر هنا لأشاهدك) وأضفت قائلاً حتى أجعلها تشعر بالسعادة (لأشاهد أي فتاة كبيرة لها).
وأومأت الفتاة برأسها في ضمت تشير إلى البجعة. فقلت (تمثال جميل، أيعجبك؟) فابتسمت.
قلت (ما اسمك؟) فلم تجب. قلت (أنت (آسي)) فهزت رأسها بالنفي في شدة وخوف ظاهر. وعجبت، ما الذي فعلته جلاديس حتى جعلت هذه الطفلة مرهفة الأعصاب تهاب الغرباء؟ وشاهدت جلاديس من خلال النافذة، واقفة عند مدخل الخباز، تسارع في شراء كعك للشاي، فقد كانت زيارتي لها فجائية، ولم يكن عندها ما تقدمه إلى، ولذلك قالت لي (ألا تستطيع أن تسلي نفسك مدة عشر دقائق يا فيل؟ يجب أن أستحضر العشاء لتوم. وإذا حضرت آسي قبل عودتي فعرفها بنفسك).
وقلت للطفلة (متى قدمت؟ لقد أخبرتني والدتك أنك ذهبت إلى الخليج).
فابتسمت كأنما سرت لقدومها إلى الدار على غير انتظار. فجأة أمسكت البجعة ودفعتها في يدي، ثم قالت (جميلة!) فوافقتها على ذلك. تذكرت رؤيتي لهذا التمثال منذ عشرين عاماً في الدار جلاديس القائم على قمة الجرف. وكانت البجعة قطعة أثرية نفيسة من الخزف.
ووضعت الطفلة يديها على كتفي، فركعت، وإذا بها تجلس على ركبتي، وهى تبتسم في وجهي، وكأنما توطدت الصلات بيننا. وأخبرتها بوجه الشبه بينها وبين والدتها، وحدثتها عن جمال أمها. وقلت أتعرفين أننا اعتدنا - أنا ووالدتك أن نذهب إلى الخليج، وقد حملنا معنا أدوات الشاي انقضي بقية يومنا هناك؟ وكنت أسبح حيث تقوم تلك الصخور الثلاثة في صف واحد، وأدعي بأني في يوم ما سأسبح وأسبح ولن أعود بتاتاً. ثم أختبئ في ذلك الكهف الصغير الواقع تحت الجرف مباشرة وأناديها مثل. . .) وبحثت عن كلمة لطيفة فقلت (مثل النورس)
وصفقت الفتاة، ثم عقدت يديها كما لو أنها تذكرت تحذيراً بألا تفض أصابعها مطلقاً.