وانتظرت متابعتي الحديث فقلت (ثم أسبح راجعاً فتعنفني، ثم ننفجر ضاحكين. . . كان ذلك منذ زمن بعيد).
فسألتني وهي ترفع إصبعها في حذر لتلمس قمة رأسي (وأين كنت؟) فاعتقدت أنها تعني (أين كنت هذه المدة؟) فأجبت (كنت في الخارج).
فبدت كأنها تفقه ما قلته. وكنت قد وضعت البجعة على الأرض بجواري فشعرت بها تنزلق عن ركبتي متجهة الوجه ثم عادتِ تجلس معي وانتظرت أن أفضى إليها ببقية الحديث، فقلت (إني لم أقابل والدك بعد، مع إني شاهدت صورته) فعبست فقلت (ولكني - سأقابله الليلة عندما يعود من عمله).
ووضعت الطفلة ذراعها حول عنقي، فشعرت بسرور عظيم يخالجني، وإذا بي أسألها (أية هدية تودين أن أبعث بها إليك؟) فابتسمت. فأردفت قائلاً (سأشتري لك واحدة مثلها من لندن، وسأبعث بها إليك في طرد مسجل ومدون باسم الآنسة آسي أون) فحركت رأسها في عنف، ثم أخفت وجهها بين يديها، وبعد لحظات نظرت إلي، وقد استعادت هدوءها السابق، ثم جذبت الشريط المعقود من شعرها، فانسدل بلونه الأشقر كلون الصباح على رمل الشاطئ الندي.
وسألت الطفلة (أتميلين إلي؟) فلمست خدي. ولاحت لي جلاديس مرة أخرى، تتحدث إلى جار لها خارج البوابة، وشاهدتها الطفلة فقفزت من ركبتي، وبدت كأنها خجلة أو خائفة. ثم اختطفت الشريط من يدي، وجمعت شعرها وعقصته، ثم ربطته، بالشريط ربطة غير متقنة في لهفة وكأنها تتوق إلى الرحيل. فسألتها إلى أين تذهبين؟).
وأشارت إلى جلاديس من خلال النافذة، ففتحتها وسألتها ما الأمر، فقالت (لقد نسيت المفتاح. أرجو أن تفتح لي الباب).
وعندما التفت حولي، وكانت الفتاة قد اختفت، فظننت أنها أسرعت إلى المطبخ تنتظر قدوم والدتها أو صعدت لتغسل يديها استعدادا للشاي، فقد لاحظت أنهما قذرتان وبهما خدوش كأنها حدثت أثناء محاولتها تسلق الصخور الزلقة التي حول الخليج وأحسست الخيبة، فقد كنت أود أن تراني جلاديس معها، فربما حدثتني بلهجة أقل خشونة من حديثها السابق، عندما ترى الوفاق الذي توطد بيني وبين الفتاة.