القضاء إبطاله لأنه بُني على الخطأ، والخطأ يبطل التعاقد.
أمام هذا الإشكال وهذا النزاع وأي بوليس القاهرة أن يحيل الموضوع كله إلى (الجهة المختصة) وهي مركز بوليس أهل الزوجة حيث وقعت الجريمة - جريمة الخطف - وحيث يسهل استكمال تحقيق شخصية هذه الفتاة رسمياً، وهل هي حقيقة ابنة (المشتكي) وذلك بشهادة الجيران وباقي أفراد العائلة على ضوء المحضر القديم (المحفوظ) بالنيابة، فعارضت الفتاة وقالت: إنها لا تريد أن تفارق زوجها والد ابنها، وأنها راضية بحياتها الحاضرة؛ غير أن المأمور أمكنه أن يقنعها بالسفر مع زوجها، فقبل الزوجان بعد أن رأيا من كرم أخلاق والد الفتاة وباقي أسرته وحسن معاملتهم ما شجعهما على ذلك، وسافروا جميعاً.
وكان منظر مؤثراً حقاً لقاء تلك الأم المسكينة الضريرة بابنتها بعد فراق خمسة عشر عاماً، فأخذت تضمها إلى صدرها بحنان وتقبلها وتتحسس بيدها رأسها ووجهها وشعرها وجسمها تستعيض بهذا عن نعمة الأبصار وكأنها في حلم لذيذ لا تصدق أنه حقيقة. وبعد أن استراح الجميع وأكلوا وشربوا وأكرموا الزوج كل الإكرام، أخذوا يطوفون بالفتاة أنحاء المنزل وملحقاته وعلى الشوارع المحيطة به فقالت إنها تذكر فعلاً بعض هذا حين كانت طفلة، وأيقنت أنها ابنة هذه العائلة حقيقة. وقد تأثرت بحالة والدتها وقالت إنها لن تتركها بعد الآن. وأشفق زوجها كذلك على هذه الأم الضريرة. وبعد أن كان مصمما على الرجوع مع زوجته إلى القاهرة أقنعه ذووها بأن منا الخير لابنه أن يتولوا هم بما لهم من ثروة وجاه أمر تربيته وتعليمه حتى مرحلة التعليم العالي الذي يعجز عنه هو بطبيعة الحال؛ ويخصون الطفل ببعض أملاك جده بشرط أن يتخلى أبوه عن زوجته ويترك لهم الطفل على أن يحضر إلى القاهرة من وقت إلى آخر لمشاهدته، أو يحضر هو لزيارته كلما شاء معززاً مكرماً في ضيافتهم. وبعد أن تردد الرجل كثيراً وفكر رأى أن يضحي بسعادته الزوجية ويحرم نفسه ابنه العزيز ضماناً لمستقبل الطفل، فقبل أن يطلق زوجته ويترك لها حضانة ابنها، وعاد إلى القاهرة وقلبه يتمزق حزناً على فراقها وفراقه، ومازال يحن إليها بكل جوارحه. وهكذا ذهب ضحية اختلاف الدين. على أنه يجد في المستقبل الزاهر الذي ينتظر الطفل خير عزاء. وهو يكرر الآن القول ليعزي نفسه: (إن الله فتح على أبني وإن