الأسطول من المال والثياب ونحوهما يكون لغزاة الأسطول لا يشاركهم فيه أحد وليس للخليفة سوى الأسرى والسلاح.
ولم يزل أمر الأسطول معيناً به طول عصر الدولة الفاطمية؛ وإن كانت عدد سفنه قد قلت في عهد الحروب الصليبية، ولكنها لم تنقص عن قطعة في آخر عهد الدولة الفاطمية. فلما دخل الفرنج أرض مصر في عهد شاور خاف أن يقع الأسطول الفاطمي في يد ملكهم مري، فأحرق جزءاً كبيراًُ منه ونهبه العبيد فيما نهبوا، وهكذا فقدت مصر جزءاً كبيراً من قوتها البحرية بسبب هذا العراك الذميم على السيطرة والسلطان بين وزراء ذلك الزمان.
فلما جاء صلاح الدين رأى واجباً عليه لكي يتم رسالته أن يعني بأمر الأسطول به أساطيل الصليبية؛ ففي سنة ٥٧٢ وهو مقيم بالإسكندرية رأى الأسطول وقد أخلقت سفنه وتغيرت آلاته فأمر بتعميره، وجمع له من الأخشاب شيئاً كثيراً ومن الصناع عدداً جماً حتى إذا تم صنع المراكب أمر فحمل إليها ما هي في حاجة إليه من السلاح والعدد وشحنه بالرجال، وولى فيه أحد أصحابه، وخصص له إقطاعاً خاصاً، وموارد ثابتة يجني منها مقدار ضخم ينفق عليه، وزاد في دينار الأسطول، فجعله يساوي نصف دينار وربعه بعد أن كان يساوي نصف دينار وثمنه، وأفراد للأسطول ديواناً خاصاً سلمه إلى أخيه الملك العادل، وأعطى صلاح الدين صاحب الأسطول سلطة كبرى في تخير رجاله وإعداد سلاحه فكتب إلى سائر البلاد يقول: القول قول صاحب الأسطول وألا يمنع من أخذ رجاله وما يحتاج إليه واشتهر من قواد البحر في عهد صلاح الدين القائد العظيم لؤلؤ. وبلغت عدة الأسطول سنة ٥٧٥ ستين شينياً وعشرين طريدة ولابد أن يكون عدد قطع الأسطول قد زاد بعدئذ فإن صلاح الدين ما كان يضن هذه القوة البحرية بمال.
واستمرت العناية بأمر الأسطول قليلا بعد وفاة صلاح الدين ثم قل الاهتمام به صار لا يفكر إلا عند الحاجة إليه فإذا دعت الضرورة طلب له الرجال، وقبض عليهم من الطرقات وقيدوا في السلاسل نهاراً وسجنوا في الليل حتى لا يهربوا ولا يعطون إلا قليلا من الخبز ونحوه، وربما أقاموا الأيام بغير شيء كما يفعل بالأسرى من العدو فصارت خدمة الأسطول عاراً يسب به الرجال وإذا قيل لرجل في مصر يا أسطولي غضب غضباً شديداً بعد أن كان خدام الأسطول يقال لهم المجاهدون في سبيل الله والغزاة لأعداء الله، ويتبرك