ثم عادت العناية بأمره في عهد الصالح أيوب، وكان له أكبر الأثر في معركة المنصورة كما رأينا، وأهمل أمره بعد ذلك حتى أيام بيرس فاستدعى رجال الأسطول وأمر بصنع السفن وقطع الأخشاب لعمارتها، وكان يشرف على صنعها بنفسه ويجلس بين الأخشاب والعمال ويقتدي به الأمراء فيحملون بأنفسهم آلات الشواني ويساعدون في صنعها وبني أكثر من أربعين سفينة وعدة كثيرة من الحراريق والطرائد وذلك في شوال سنة٦٦٩ ولما حطم هذا الأسطول عند قبرص أعيد بناء غيره وخرج بيرس لاستعراضه كما كان يركب مع الخليفة لمشاهدة مناوراته الحربية في النيل. وفي تقليد الخليفة لبيبرس يوصيه بالعناية بأمر الأسطول ويقول له: وكذلك أمر الأسطول الذي تزجى خيله كالأهلة وركائبه، سابقة بغير سائق مستقلة، وهو أخو الجيش السليماني، فإن ذاك غدت الرياح له حامله، وهكذا تكلفت بحمله المياه السائلة، وإذا لحظها جارية في البحر كانت كالأعلام وإذا شبهها قال هذه ليل تقلع بالأيام وهذا التشبيه يدل على أنها كانت تطلى باللون الأسود. فلما كان عهد قلاوون رأينا في الحملة التي وجهها إلى بلاد النوبة سنة ٦٨٨ خمسمائة مركب، ما بين حراريق وغيرها.
وفي عهد خليل بن قلاوون زادت العناية بأمر الأسطول حتى كملت عدة الشواني نحو ستين شونة ملأها بالعدد وآلات الحرب. وعزم السلطان على الخروج لمشاهدته، فأقبل الناس من كل صوب يريدون أن يشهدوا تلك القوة البحرية الضخمة، واستعدوا لذلك قبل مقدم السلطان بثلاثة أيام، وصنعوا لهم أخصاصاً على شاطئ النيل وأكثروا الساحات التي قدام الدور بحيث لم يبق بيت بالقاهرة ومصر إلا خرج أهله أو بعضهم لرؤية ذلك ولما حضر السلطان برزت الشواني واحدة بعد واحدة، وقد عمل في كل شونة برج وقلعة تحاصر، والقتال عليها ملح، والنفط يرمي عليها وعدة من النقابين يعمل الحيلة في النقب، وما منهم إلا من أظهر في شونته عملاً معجباً وصناعة غريبة يفوق بها على صاحبه، ثم عاد السلطان وأقام الناس بقية يومهم وتلك الليلة على ما هم عليه من اللهو في اجتماعهم وكان شيئاً يجل وصفه، وأتفق فيه مال لا يعد بحيث بلغت أجرة المركب ستمائة درهم ولما بلغ خبر الشواني إلى بلاد الفرنجة بعثوا رسلهم بالهدايا يطلبون الصلح، وأقيمت مثل هذه