وأن يجعلك من الذين عليهم صلوات من ربهم ورحمة. ولما احتسب الدكتور شخاشيري طفلا له لم يجد في مرضه طب أبيه ولا علمه (وخرّ العلم والطب على أقدام الموت جرى على لسان الوالد الحزين هذا البيت من الشعر).
أين السعادة والأيام تأباها ... مرت علينا فلم نشعر بمجراها
وبعثت بهذا البيت إلى صديقه الرافعي رحمه الله فأجابه بالأبيات الحكيمة الآتية:
الله أوجدها للناس قاطبة ... فما الذي عن جمع الناس أخفاها
لا ذلك المال سواها لنا ذهباً ... ولا من الطين هذا الفقر سواها
والعمر في وهمها ضاعت حقائقه ... كأنما هي تحيا بين موتاها
فسل صغار الورى عن هم أولها ... وسل شيوخ الورى عن هم أخراها
إن السعادة أن ترضى بلا غضب ... وكيف ذاك بدنيا لست ترضاها
وكتب الرافعي رحمه الله إلى صديق يعزيه قال:
المصيبة حرسك الله، وإن كانت أكبر من التعزية لكن ثواب الله أكبر من المصيبة، والإيمان بالله أكبر من الثواب، وما آمن بالله من لا يثق به، ولن يثق به من لا يطمئن إلى حكمته، ولا اطمأن إلى حكمته من لا يرضى بحكمه، ولا بحكمه من سخط على ما ابتلاه. ولقد عرفتك من أوثق الناس إيماناً فلتكن من أحسنهم صبراً وأجملهم عزاء. ونحن الضعفاء المساكين إنما نعامل الله بما يصيبنا به، فإن جزعنا فقد بلغنا حق أنفسنا فلا حق لنا من بعد! وكأنما أصبنا مرتين، وإن صبرنا فما أحرى أن يكون الصبر على المصيبة هو ربح المصيبة والسلام.
ولما مات أخوه كامل بك الرافعي قال يشكر الناس:
(تتوجه أسرة الرافعي إلى الله بقلوبها المتوجعة الحزينة تستلمه فيما تشعر به ما تشكر به، فلئن كان رزؤها في فقدها أليما، لقد كان عطف الأمة عليها كريماً. والحمد لله الذي لا بأس من روحه، بيده الخير يجعله ما يشاء فيما يعطي وفيما يمنع وهو القوي العزيز فيما يصيب به، لكنه الرحمن الرحيم فيما يثيب عليه. فاللهم اجز بفضلك عنا أحسن ما جزيت كل من واسانا أو توجع لنا أو عطف علينا ممن ساروا في الجنازة أو جاءوا للتعزية، أو حضرت رسائل عطفهم برقاً وبريداً، ندعوك اللهم أكرم مدعو، فكن اللهم أكرم مستجيب.