ثم تحول من هذه المباحث العلمية النقدية إلى نقد المتنبي الشاعر العظيم، وشرحه تشريحاً نقدياً وكشف لك عن سريرته ودل على قلبه ونزعته وطموحه فوصفه في تدينه وغروره وحزنه ومكانته في أهيل عصره (كما يسميهم هو) ونظريته في حساده حتى إذا خرجت من هذه النقدات التي كانت كمدى المشرح في البدن السمين ظهرت لك أخلاق المتنبي ونفسيته وانجلى لك المتنبي الحقيقي كأنك عشت معه.
ثم نال أبو تمام قسطاً من نقده فقابل بينه وبين المتنبي بحيث ترى أن أدهم دخل إلى سريرة هذين الشاعرين العظيمين وظفر بمزية كل منهما في الشعر.
ولم يحرم الشاعر ابن هانيء من كلمة فلسفية رائقة فيه، ويريك أن شعره يغري بالأبيقورية، وهي أن الحياة في نظره فترة قصيرة ونهزة عارضة. . . وليست جديرة بأن يقضيها المرء في طلب الغايات البعيدة وليس فيها أعماق سحيقة ترهب الناظر. وفي الوقت نفسه كان يقنص اللذات؛ فهو بعيد حياة سليمان الحكيم الذي ما ترك متعة إلا تمتع بها، وأخيراً قال: باطل الأباطيل، الكل باطل.
ولأدهم بعد ذلك فذلكات عن سير بعض الخلفاء وفذلكة عن أدب رابندرات طاغور الشاعر الفيلسوف الهندي الذي هو خير نموذج للأدب الوطني.
في هذا الكتاب المنفذ في موضوعاته ومباحثه تجلت مقدرة الأستاذ علي أدهم في التفكير والتعبير والتحبير.
روضات الفردوس:
ثم إن الأستاذ على أدهم أتحف اللغة العربية تحفة نادرة المثال في كتابه الأخير روضات الفردوس وهو محاضر مناقشات لأرواح أعلام التاريخ في جميع المذاهب الاجتماعية المختلفة. وقد تولى العالم جيثي رئاسة هذا المجلس الخيالي. وكان أبرز المتناقشين فيه كارل ماركس أبو الاشتراكية. وقد احتدم النقاش بينه وبين فولتير فيما آل إليه الأمر في روسيا عن يد لينين الذي اعتنق إنجيل ماركس بحروفه، وفحواه أن الاشتراكية لا تقوم على يد الأكثرية في البارلمان بل على يد الثورة.
وكانت ماري ستيورت ملكة فرنسا وسكوتلاندا في هذا المجلس الروحاني وكانت كل هينة