إلى مناخ جبلي جاف مدة شهرين، واتفق مع عائلة إسبانية في الريف على قبوله هذه المدة في قصرها، ولكن العائلة اشترطت سلفا أن لا يحاول هذا الإنجليزي التعرف على أفراد الأسرة، أو التدخل فيما لا يعنيه من شؤونهم، وقد كان هذا الشرط كافيا لرفضه الذهاب، لولا أن الضرورة الصحية جعلته يخضع لهذا اللون العجيب من حسن الضيافة وكرم الجوار!
وحضر فيليب ابن السنيورة لاستصحابه، وأخذ طريقهما إلى قصر يبعد عن المدينة عشرين ميلا، في عربة أثرية يجرها جواد هزيل. لم يحاول أحدهما التحدث إلى صاحبه، إنما كان فيليب يرفع عقيرته، طيلة الطريق، بغناء سمج لا يجري فيه على قاعدة من أبسط قواعد ذلك الفن الجميل. واختفت ذكاء وراء الأفق، تاركة خلفها على حواشيه ذيولا ممتدة هنا وهناك من نضار مصهور، وأخذ الظلام يسحب رداءه فتبدو في الظلمة موحشة تبعث الكآبة والخوف في أحشائها إلى النفوس. . ولمحا ضوءاً بعيداً ما لبث أن ظهر أنه ينبعث من إحدى نوافذ القصر الذاهبين إليه.
وعلى مسافة يردات معدودات من القصر تركا العربة، في حراسة فلاح من خدم القصر، واجتازا الباب الخارجي والردهات الداخلية حتى وصلا إلى غرفة قد وضع فيها سرير ومنضدة عليها نبيذ وطعام حار شهي، وقد أضرمت فيها نار جعلت جوها دافئاً.
انصرف فيليب إلى بعض شؤون، وتناول الجريح الطعام، وأوى إلى فراشه متعباً منهوكا وراح يسبح في نوم هادئ عميق! وأفاق مبكراً وأول ما دار بخلده أن يتعرف على ما حوله وعلى كل شيء يجد السبيل إليه مدفوعا إلى ذلك بحب الاستطلاع الذي أثاره في نفسه شروط الأسرة البعيدة عن اللياقة وأول ما بدأ به الغرفة التي يرقد فيها. أجال بصره فرأى صورة فتاة جميلة تدل ملابسها على أنها لا تعيش في هذا الزمن ولكن قسمات وجهها شديدة الشبه بملامح فيليب أخذ يطيل النظر إليها وهو في كل مرة يشعر بأن الصورة توقظ في قلبه لوناً غامضاً من الحب وارتاح إليه وأنس به الوحشة، وفي هذا المكان المقفر من العطف والوجوه الجميلة.
ثم أخذ يقضي أوقات فراغه في لهو بريء: يبدأ من الصباح فيصعد التلال المجاورة، ويدور بالغابات والجداول حتى يأخذ منه التعب مأخذه، فيعود إلى غرفته غير ملتفت إلى