شيء حسب الاتفاق مع الطبيب، إلا بمقدار ما هو ضروري لرؤية الطريق.
مل هذه الحياة الرتيبة وكرهها، واستدعى فيليب إلى غرفته وأخذ يحدثه في لباقة وبراعة عن مواضيع بعيدة، يدس في ثناياها أسئلة عن الأسرة وأحوالها، ما لبثت أن أغضبت فيليب فتركه دون أن يجيبه عن شيء منها.
غير أن ذلك لم يثبط عزيمته وصمم على أن يكتشف بنفسه كل شيء، وأخذ في ذهابه وإيابه يلتفت يميناً ويساراً فرأى الجناح الذي تعيش فيه السنيورة. وبينما يهم بالخروج في صبيحة يوم مشمس جميل رآها جالسة في نور الشمس بالقرب من طريقه فحاول أن يتقدم إليها بالتحية، ولكنه تذكر الشرط القاسي فمر بها وهي تتلفت إليه دون أن يرفع طرفه إلى مكانها، غير أن الجرأة عاودته فحياها، فردت له تحية جافة، لا حياة فيها ورمقته بنظرة جامدة هادئة، منبعثة عن كبرياء. . ولكنه أدرك بعد زمن أنها صادرة عن عقل غير سليم!
وألف صاخبا السنيورة وألفته، فكان يمر بها صباح ومساء يرفع إلى مكانها تحياته، وينطلق إلى رياضته وراء التلال أو يمر بفيليب وهو منهمك في أعماله الزراعية. لقد كان سلوك السنيورة السلبي غير مشجع له على التحدث إليها، لذلك رغب في الابتعاد عنها.
وقد أدرك بفطنته أن الأسرة مرضاً وراثياً من الغباوة أو الجنون، بدا له واضحاً في عقل فيليب وسلوكه وفي عقل السنيورة وسلوكها. لقد سمع من الطبيب أن للأسرة فتاة في ريعان الصبا، فحسبها نوع والدتها وأخيها فاحتقرها وأمات الخيال الذي كان يود البحث عنها في شعوره!
واستمر في رحلاته القصيرة. ولك الشيطان سول له في أحد الأيام أن لا يذهب إلى التلال البعيدة، ولكن إلى داخل القصر، واغتنم فرصة ذهاب فيليب إلى أعماله الزراعية، وفرصة استسلام السنيورة إلى نوم تحت الشمس، وانسل إلى القصر وأخذ يور في حجراته وصالاته الرحبة، فبهره تخيل ما كان هذا القصر من السؤدد والثراء، وراح يغرق عواطفه في لجة من الفن تبدت في مئات الصور الرائعة لكبار الفنانين قد علقت هنا وهناك وقد أخذت يد التلف تشوه جمالها واستمر في تجواله حتى وصل إلى مكان فيه أوراق مبعثرة وكتب قيمة، بعضها أدبي وبعضها ديني، والآخر فلسفي. وهي لكبار المؤلفين في اللغة اللاتينية. ومظهر الكتب يدل على كثرة استعمالها وامتدت يده تعبث بأوراق فوق كرسي،