ويقول في تفضيل البدو على الحضر.
وغضة العين يحمي حسنها خفر ... ولا خفير فعين الحسن كالخفر
سجية في البوادي لا أخل بها ... والبدو أحسن أخلاقا من الحضر
قوم كأن ظهور الخيل تثنيهم ... وما سمعت بأنبات بلا مطر
لا يجسر الطيف يجري في منازلهم ... مهابة خيمت في مطرح الفكر
لما رضوا بشفار البيض معتصما ... عزوا فما احتاج جانيهم إلى وزر
ويقول:
وأبرح ما يكون هوى البوادي ... إذا رفعوا على العيس القبابا
تسير بكل جارحة حتما ... أسود يتخذن السمر غابا
ثم الغزي بعد وقور في شعره حكيم، يصوغ الحكم والمواعظ، ويضرب أمثالا من تجارب وما لقي من غير الزمان. وهو في هذا الفن يبلغ درجة عالية يمتاز فيها. وهو مهما يفتن في ضروب الشعر لا يستطيع إخفاء نزعته إلى الزهد، وابتئاسه بأحداث الدهر، وقد عاش الرجل أكثر من ثمانين عاماً، وطرف في البلاد كثيراً فرأى وسمع وجرب ملء الأزمنة التي عاش فيها والأمكنة التي أقام بها.
أنظر إلى قوله:
لا تعجبن لمن يهوى ويصعد في ... دنياه فالخلق في أرجوحة القدر
وقوله:
ما الدهر إلا ساعتان: تعجب ... مما مضى، وتفكر فيما بقي
ولكل شيء مدة فإذا انقضت ... ألفيته وكأنه لم يخلق
والمرء أتعب ما يكون إذا ابتغى ... سعة المعيشة في الزمان الضيق
وهنا يظهر الفرق بين الغزي القنوع والأبيوردي الذي لاتسع الدنيا همه ومطلبه.
ويقول الغزي.
هلا نكرت شبابي وهو أغربه ... للبين معربةٌ عن غربة السفر
ليت البياض الذي زال السواد به ... أبقى لنا منه في القلب والبصر
قد ضقت ذرعاً بعيش لا يسوغ ولا ... تمجه النفس حتى عيل مصطبري