ولو كانت دمشق تني عناني ... ليبق الثرد صيني الجفان
وأما الأبيوردي الشاعر الأموي فكان لسان العرب في القرن الخامس. أشاد بمجدهم وتمدح بأخلاقهم وحن إلى أوطانهم وهو لم ينشأ بها، ولم يعش فيها إلا قليلا في العراق، حتى سمى قسماً من ديوانه النجديات.
وهذا أبو اسحق الغزي تعاوده ذكر غزة وباديتها، وبلاد العرب، فيعرب عن شوقه وحنينه.
وكما أشاد أبو الطيب بالبداوة حين قال:
ما أوجه الحضر المستحسنات به ... كأوجه البدويات الرعابيب
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب
ابن المعيز من الآرام ناظرة ... وغير ناظرة في الحسن والطيب
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
أولع الأبيوردي ببوادي العرب وكرر ذكرها والإشادة بالعيش فيها.
ومن قوله في هذا:
ويعجبني نفح العرار وربما ... شمخت بعرنيني وقد فاح عنبر
ويخدش عمدي بالحمى صفحتا الثرى ... إذا جر من أذياله المتحضر
وما العيش إلا الضب يحرشه الفتى ... وورد بمستن اليرابيع أكدر
بحيث يلف المرء إطناب بيته ... على العز والكوم المراسيل تنحر
ويغشى ذراه حين يأتم للقرى ... ويسري إليه الطارق المتنور
يفخر في هذه الأبيات بالبداوة، ويشيد بما يعبر به الأعراب من أكل الضباب فيقول:
وما العيش إلا الضب يحرشه الفتى ... في هذه البادية العزيزة الكريمة
حيث تستحكم الشجاعة والسخاء. وكذلك الغزي يحن إلى البادية بين الحين والحين. ويذكر قبائل العرب ويمدحها ولكنه أقل من الأبيوردي حماسة وحنيناً؛
يقول:
أين أيامنا بغزة والعيش ... نضير واللهو رحب المجال
ومزايا حسن البوادي بَواد ... بهلال في حلة من هلال
أي بإنسان كالهلال حسناً في حلة من بني هلال.