بين تعاليم الدين الإسلامي وحياتنا الحاضرة، وألا يحيطوا هذه التعاليم بهالة من السمو والرفعة بحيث تعلو عن حياة عامة الناس، فيصعب عليهم التمثل بها ويظنون أنها تنطوي على قيم عليا لا يقدر أن يصل إليها إلا خاصة الخاصة، مع أن الدين أراد أن يسلكها الجميع بدون تفرقة. فإذا اتصلت هذه التعاليم بحياة الناس العادية، وطبقت على شتى ظروفهم الاجتماعية، أدرك كل عربي جدوى التعلق الحق بالدين الإسلامي، وتلمس فائدته الروحية والمادية معاً، فيعتقد أن الدين قوة دينية كما هو طريق إلى الله.
إن غرض الفتوح العربية في صدر الإسلام كان نشر الدين فسلامي خارج حدود بلاد العرب. ولقد استبسل الكثير من العرب، واستشهدوا في سبيل الله، ففازوا بالجنة من ناحية، ونال أهله من ناحية أخرى قسطاً من الغنائم مثل بقية الجنود العائدين من الحروب.
فالقتال في سبيل الله وإن كان باعثه ديناً يخلد المستشهد في الجنة، وهذه غنيمة روحية، يضمن كذلك لعائلته من بعده العيش الرغد وهذه غنيمة مادية، أحس كل عربي بمدى فائدة الاستشهاد من أجل نشر الإسلام من الناحيتين الروحية والمادية، فأقبل على الجندية وخاض الوغى بشجاعة لا تقهر، فاستطاع على قلة عددهوعدده أن يزيل من الوجود الدولة الفارسية، ويزعزع أركان الدولية الرومانية.
وفي هذا الجو السماوي الأرضي عرف العرب قديماً كيف يثبتون دعائم الدين الإسلامي في النفوس. وفي هذا الجو كذلك يقدر العربي في الوقت الحاضر أن يقضي على ما تركته المدنية الغربية في نفسه من القلق الوجداني والاضطراب العقلي، لانقياده المطلق لمغرياتها المادية ومفاتنها الحسية، ولإهماله تهيئة الحياة الروحية التي تلائم مزاجه وتبعثه على طلب الكمال.
ولقد سبقنا الهنود في المضمار الديني الاجتماعي، وأخذ المفكرون الهنود من أمثال راما كريشنا وفيفكاناندا يستوحون تراثهم الديني القديم، ويعرضونه في أسلوب حديث يتفق وغايات الحضارة الحديثة بدون أن يخل بأصول الفكر الهندي الروحي. ثم جاء طاغور ووضع القواعد الثابتة للحياة الهندية الكاملة، وأبرزها في صورة واضحة في كتابه (سادهانا) استقاها من تعاليم الكتب الهندية المقدسة، ودعمها بروح الغرب العملية، فأعطى المبادئ المثالية قيما واقعية تنفع في الحياة. وبعد أن كان الهندي ينزع لاجتناب الحياة