أصبح بفضل هؤلاء المفكرين لا يقدس الزاهد الهاجر للحياة، المعتزل للأهل والوطن، والغارق في نفسه، والهارب من مشاكل الأرض، وإنما يقدس الزعيم القومي الذي تمثل في شخصية غاندي، ذلك البطل الوطني الذي دفع بمقومات الهند الروحية في ساحة النضال السياسي، فنالت بلاده حريتها، فعرف الهنود من مفكرين وسياسيين كيف يتفادون عيوبهم القديمة، ويتغلبون على ميلهم إلى اعتزال الحياة، ويبرزون قدرتهم على احتمال الألم في سبيل الغايات القومية بعد أن كانت قاصرة على الغايات الدينية الصرفة.
وها هو نهرو خليفة غاندي يقتفي أثره، ويسير على هدى الطابع الهندي، فما كاد يطمئن على استقلال بلاده، ويضمن ود الباكستان، حتى بادر يخوض مجال دولي حيوي أراد أن تساهم فيه بلاده في خدمة الإنسانية، وتؤدي ما عليها من واجبات في سبيل رسالتها الروحية التي ترغب في أن تعم بلاد العالم أجمع. فدعا لعقد مؤتمر ينشد عن طريقه ضم شمل الدول التي تعتنق المثل العليا والمبادئ المعنوية، وتؤمن بقوتها في تدعيم السلام، كما يبغي توحيد صفوفها للتعاون على إنقاذ العالم مما هو فيه من تفكك وتنازع، وذلك بالقضاء على النزعات الاستعمارية، وبث روح المحبة والوئام في ربوع العالم.
وهكذا عرف نهرو كيف يختار المجال الوحيد الذي تقدر العبقرية الهندية أن تشترك فيه، وتظهر براعة لا تفوقها براعة، فنجح في استغلال استعدادات قومه الأصلية في إعلاء شأنهم، ورفع مكانتهم بين الدول.
فأمام العرب نموذج من الفكر الديني الخالق الذي استطاع أن يرفعن كاهل بلاده كابوس الاستعمار بفضل تعاليم غاندي في المقاومة السلبية، وأن يقتحم الميدان الدول متخذا من أساليبه الروحية وسيلة لتحقيق سلام العالم، وهي غاية هندوكية قبل أن تكون غاية سياسية إنسانية؛ فهيأ بذلك لمبادئه الدينية قوة إيجابية
أما كيف يعطي الفكر تعاليمه الإسلامية قيمة عملية فعالة ونافعة في حياتنا الخاصة والعامة، فذلك يكون بعد تطبيقها تطبيقاً جدياً واسع النطاق يشمل المجتمع العربي بأكمله. فكل ما تأمر به التعاليم الإسلامية من تشريعات لا ينبغي أن تهمل ويستعاض عنها بغيرها من تشريع الغرب، وبحجة أنها أكثر إنسانية. فنرفض قطع يد السارق وجلد الزاني ورجم الزانية، فإن ذلك يضعف من قوة دينا، ويقلل من قدرته على مواجهة مشاكل الإنسان، وذلك