وإن ارتضى أن يكون شاعراً حكيماً. فهو ليس صاحب مذهب محكم التصميم يستند في تفسيره على منهج عقلي منظم. ولم يخط كتباً فلسفية قط. وإن حاولت أن أستخرج من كتابه أصول فلسفة أعالج فيها المشاكل الميتافيزيقية والأخلاقية والفنية التي اشتغل بها طاغور بطريقة لا تمت لطرق الفلسفة بصلة، فإنما ذلك رغبة مني في أن أعرض أفكار حكيم في أسلوب فلسفي لا غير.
لقد زعم طاغور أنه لا يوجد إلا حقيقة واحدة لا تحتمل التفرقة بين خالق ومخلوق، وجودها روحي، وأن ما يبدو في الكون من مادة فهي مظهر خادع يخفي براهما المستقر داخلها؛ لأن براهما حين امتلأ بالسرور - ذلك السرور الذي لم يبين لنا طاغور كنهه، أو يذكر سبب نموه في براهما حتى امتلأ به - فصدرت عنه الخليقة لم يفصل بينه وبينها فصلا تاماً، وإنما كمن فيها وأعطى للإنسان فرصة للعودة إلى منبعه الذي انبثق منه، بمنحه حرية التصرف في شئون دنياه، وتقييده بقانونه الأخلاقي ومن يقطع الصلة بين براهما والمخلوقات يقع في (المايا) أي الباطل الذي إليه أن الباطل مستقل عن المخلوقات بينما براهما يتجلى في الكون في صور القوانين التي يتقيد بها هذه المخلوقات فتخضع روح الإنسان للقوانين الأخلاقية ويخضع جسده وجميع محتويات الطبيعة الأخرى للقوانين الكونية. ومعرفة هذه القوانين معرفة لله المتحد بكل شيء، إلا أنه لا يكفي للإنسان أن يعرف هذه الوحدة ليصل إلى الكمال الروحي وإنما يجب عليه أن يعرفها ويحياها معاً ويحس ببراهما الذي يوجد في كل جزء من أجزاء الكون إحساساً حياً، تنطق به كل حركاته من أفعال وأقوال ويدمج شعوره بفرديته فيها جميعاً بحيث لا يستطيع أن يميز بين وجوده وبين سائر الموجودات.
وإذا أراد الأستاذ نقولا أن يعرف المزيد وكيف يفوز الإنسان بهذه الحياة فإني أرجعه إلى ما سبق أن نشرته في مجلة الرسالة عن طاغور وما سأنشره قريباً إن شاء الله عن فلسفة طاغور الأخلاقية والفنية.