تدعوهن إلى الأيمان، وتغدوهن بلبان الإسلام، حتى تجلى نفوسهن، وتطهر قلوبهن، وتسمو مكانتهن، وينلن حقوقهن. . .
- ٢ -
بينا (أم عمارة نسيبه بنت كعب المازنية) تنتقل من دار إلى دار، مبشرة الإسلام، داعية إليه نساء العرب، تمحضهن النصيحة، وتزف إليهن البشرى، وتحثهن على الخير والمعروف. . . وإذا بصوت النفير ينساب من جوانب المدينة، ويصل إلى أذنها ضئيلا خافتا، فيفزع فؤادها، ويهز جوانب نفسها فتخف مسرعة إلى بيتها، لتعرف الخبر من أهلها فإذا بها تفاجأ برهط من الصحابة مقبلين، وقد لبسوا دروعهم، وتقلدوا سلاحهم، فعلمت (أم عمارة) أنها الحرب، فانبلجت أسارير جبينها، واستيقظت مشاعر فؤادها. . . وأغذت السير حتى دخلت دارها، فألفت ابنيها وزوجها يجلون سيوفهم، ويصلحون لأماتهم، ويسرجون جيادهم، فانفجرت ثناياها عن ابتسامة الرضى والفرح، وأقبلت على أبنيها لتعانقهما وتقبلهما قبلت الوداع. . . وهنا صاح بها هاتف من ضميرها الحي المؤمن أن أذهبي يا أم عمارة مع الرسول في غزوته، تضمدين الجرحى، وتعدين السقاء، وتصلحين من شأن المجاهدين. . فلم تشعر إلا وقد انصرفت عن ابنيها، وراحت تعدو نحو المجد، لتلقى إلى الرسول بدخيلة نفسها، وأمينة فؤادها، لعله يسمح لها فتنال الشهادة في سبيل الله؛ وتضع في بناء الإسلام لبنة المرأة الشهيدة (والفدائية الأولى). . .
أذن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لأم عمارة بالخروج لغزوة (أحد) مع زوجها وابنيها، فرجعت فرحة جذلة، يرقص فؤادها طربا، وتزغرد روحها سرورا، وأعدت للخروج عدته، فجمعت العصائب، وأصلحت المراشف، وخرجت تمني النفس بالشهادة، وترنو إلى الجنة، وترقب من وراء هذا النقع الثائر النصر المبين.
- ٣ -
شمرت الحرب عن ساقها، وحمى الوطيس، واحمرت الأحداق، ولم يمض غير قليل حتى التحم الفريقان: جيش محمد وجيش أبي سفيان، فجلجلت المساء بالتكبير، وصدق فرسان الإسلام الحملة، وأعملوا في رقاب المشركين السيوف، وثبتوا ثباتا انخلعت له قلوب