إلا ومرفوعة الهامة، موفورة الكرامة، قد ردت مع إخوانها عدوان المشركين ودافعت عن قائدها العظيم. . . والرسول الأمين. . .
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدماء تتدفق من جراحها فصاح بابنها (أمك أمك. اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت، مقام أمك خير من مقام فلان وقلان. . .) وسمعت أم عمارة رسول الله يثني عليها هذا الثناء ويطري عملها ويبارك جهادها، فطابت نفسها، وقرت عينها وقالت (يا رسول الله، ادع الله أن نرافقك في الجنة) ثم تركت لدموعها الحديث. وهنا رفع محمد يديه إلى السماء وقد اخضلت لحيته بالدموع وقال:(اللهم أجعلهم رفاقي في الجنة) فقالت أم عمارة: (ما أبالي ما أصابني من الدنيا بعد هذا الدعاء) ثم ألقت رأسها في حجر ابنها، ونامت متأثرة بجراحها، فخورة بجهادها، وقد اطمئن ضميرها، وقر فؤادها. . . ثم أرخى الليل جناحه، وغمر المدينة بظلام وسكون. . .
- ٥ -
نظرت (أم عمارة) وكان لا يزال رأسها في حجر أبنها فرأت الشمس ساطعة، والنهار مشرقا، وسمعت المنادي يدعو إلى الجهاد والناس يسرعون في الاستعداد، والمدينة في حركة دائبة، وعمل مستمر فعاودها الحنين للقتال، وصاح بها هاتف من ضميرها مرة أخرى يقول:(إلى حم راء الأسد يا أم عمارة. . . إلى الثأر من المشركين إلى أعداء كلمة الله. . . ورفع منار الإسلام) فهبت واقفة وأرادت أن تخطو إلى الأمام لتحمل سيفها وتهاجر إلى الله وتجاهد في سبيله، ولكنها عجزت عن المسير، وأقعدتها الجروح الدامية فمكثت تبكي وتندب حظها العاثر، وتعلل النفس بالجهاد القريب تحت راية محمد، وانصرف أهلها يضمدون جروحها، ويخفون عنها، حتى اقبل الليل. . . فنامت دامية الجسد حسيرة الفؤاد. . .