لابنها ولإخوانه الذين جرحوا واستشهدوا في سبيل الإسلام، ثم شهرت في وجه سيفها وضربت به ساقه وصدره، فوقع قتيلا يتخبط بدمه. . .
ورأى رسول الله هذه البطلة تثار لابنها، وتقتص من جرحه فتملكه إعجاب شديد، وأبتسم حتى بدت نواجذه وقال لها:(استقدمت يا أم عمارة، الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك من عدوك واراك ثأرك بعينك).
ولم تكد أم عمارة تجهز على فريستها، وتمسح حد سيفها، وتلقى به في غمده، حتى سمعت تصايحاً، ولمحت غباراً، ونظرت فإذا بها ترى ثلة من مشركي قريش، قادمين نحو محمد، وفي عيونهم حنق وشر يريدون قتل الرسول واستئصال المدافعين عنه فتحسست مقبض سيفها، ثم سلته من غمده وعلمت أن حديثه لم ينته، وأن لسانه لم يسكت، وانه مازال به شوق إلى الدم، وشغف بأعناق المشركين فاستلته وصاحت (الله أكبر الله أكبر) وهمت أن تعدو نحوهم. . . لتؤدبهم مرة أخرى، وترجع برأس قائدهم الطاغية، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مولياً ومعه ترس فصاح به:(ألقي ترسك إلى من تقاتل). فألقى الرجل ترسه وتناولته أم عمارة ونهدت إلى المشركين، وهنا أقبل عليها فاستقبلت ضربته بالترس، وأهوت بضربة قوية على عرقوب فرسه فوقع على ظهره، يفحص بقدميه: وخشي الرسول أن ينهض هذا العاثر فيقتل أم عمارة فصاح يأبنها (يا أبن أم عمارة، أمك أمك فعاونها) فانتضى الفتى سيفه وتقدم من الفارس العاثر وعاون أمه في القضاء عليه ولم يتركاه إلا جثة هامدة. . .
- ٤ -
انصرف (ابن قميئة) إلى صحبة بعد أن ردته أم عمارة خاسئا ذليلا، يحمسهم، ويقسم عليهم باللات والعزى، أن يقتلوا محمداً ويستأصلوا دعوته، ويبيدوا صحابته، وينصروا آلتهم. . . ومازال بهم حتى أثار حفائظهم، وأذكى قلوبهم وأحمى دمائهم فقاموا يقصدون محمداً. . .
ورأت أم عمارة أبن قميئة مقبلا قد عاد ثانية مع أصحابه بعد أن ردته على أعقابه خاسراً، فعلمت أنه قد بيت أمراً وأراد شراً فلم تجزع ولم تجبن، بل تطلعت نحو السماء، تستلهم العون والقوة؛ وتقدمت تدافع عن الرسول، فتجندل الفرسان، وتصرع الشجعان، وتتلقى الضربات ثابتة الجنان، صابرة راضية مطمئنة حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا، ولم ترجع