وإذا كنا نعتبر محرماً شاعر العاطفة الدينية في عصره دون منازع فأننا نتخذ منه دليلا يبطل ما زعمه الأصمعي من أن الشعر في جملته نكد صعب لا يسهل إلا في الشر، وتلك دعوى زائفة وجدت مكانها في العقول فحولت أنظار الشعراء عن الدعوة إلى المثل العليا، والتمدح بالأخلاق الدينية الرفيعة، وأنت تطالع الدواوين الشعرية فتجد ما قيل في المجون والخلاعة أضعاف ما قيل في التصوف والاحتشام وبديهي أن الشاعر المتمكن المطبوع يستطيع أن ينظم - بقوة إتقان - في شتى الأغراض التي تأخذ بمجامع قلبه، وتسيطر على خوالج نفسه، سواء كانت تتجه إلى الخير أو الشر، فالمدار على إذن قوة الشاعر وموهبته، ومن يستطيع نظم الرقائق الفاتنة في الليل الدامس، لا يعجزه أن يرسم الصور الساحرة للصباح الضئ، وهاهو ذا محرم قد أندفع وراء عاطفته اندفاعاً حميداً، فجاء شعره نموذجاً حسناً للشعر المثالي الرصين.
ونحن حين نشيد باتجاه محرم وجهة الخلق والدين، ولا نعني بذلك أنه عقد في ديوانه فصولا خاصة بالدعوة الإسلامية، ولكننا نؤكد أن عاطفته الدينية قد ارتسمت بوضوح في شتى الأغراض الشعرية التي تحدث عنها الشاعر الكبير، فأنت تقرأ مدائحه ومرائية واجتماعياته وسياساته فتجد كل بيت ينطق بإيمان قائله، ويحدد الهدف الخلقي الذي يدعو إليه في حرارة وإذا رزق الشاعر إيماناً فلابد أن يترسم في مرآة شعوه، فهو إذا جال في إحدى سبحانه سيطرت عليه عاطفته المخلصة فوجهته أكمل توجيه حتى يصل إلى المرفأ الأمين.
وكنت سألت من أثق بهم من خلطاء محرم ورفقائه عن حياته وأخلاقه فسررت بما عملت من مروءته ونبله، حيث كان يبذل ما يملك - على ضآلته - في معونة المستعين، كما يحافظ على فرائض العبادة من صلاة وصيام. ثم هو إلى ذلك صفوح متسامح لا يؤاخذ مسيئاً بنقيصة، ولا يميل إلى الجدال والثرثرة في غير طائل. ويمكننا أن نقول إنه اتخذ كتاب الله إما ما يأتمر بأوامره، ويجيد عن نواهيه، وإنه ليعلن ذلك في صراحة إذ يقول:
أقول لصاحبيّ - وعاهدني - ... كتاب الله بينكما وبيني