سأملأ هذه الغبراء مجداً ... وأترك أهلها صغر اليدين
على التاريخ بعد الموت حقي ... وعند الله يوم الدين ديني
وقد أباح الشاعر لنفسه أن يتمدح بمروءته وتقواه، ولسنا نؤاخذه على ذلك فقد نشأ في عهد إباحي، وجد فيه من يتشدقون بآثامهم المخزية ويجاهرون بفضائحهم المندية، فإذا ألم بهم داع إلى الحق لووا رءوسهم ساخرين!! فلا مناص من أن يجاهر المهذب العف بشمائله، ليقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. ولقد صور الشاعر أخلاقه، وشرح عواطفه تشريحا صادقا حين:
من أيادي الله أني لم أخن ... عهد الأوفى أروم المغنما
راودتني عصبة عن حقه ... فأبى العرق الكريم المنتمى
عفة تقذف بي عن همة ... تقذف النسر وترمي المزرما
لا أرى الغدر وأن جشمني ... صرف دهر ظالم ما جشيما
مرحبا بالبؤس في أسبابه ... عفة البأس عن أن يأنما
ما يريد الدهر من مستبسل ... ما يهول الخطب إلا اقتحما
وسنوجز الحديث إيجازا، فنترك كلام الشاعر عن نفسه ونميل بشي من التحليل إلى بعض الأغراض التي جال في حلباتها جولات موفقه. وفي رأي أن قصائد محرم السياسية والاجتماعية والتاريخية تكفي الباحث المنصف في تكوين رأي صادق في عاطفته الإسلامية، ونبدأ بالحديث عن سياساته فنقول:
- ٢ -
كان للخلافة العثمانية في أواخر القرن الماضي، وأوائل هذا القرن ظل ينبسط على الدول العربية المتجاورة، ولئن تغلغل النفوذ النفوذ الاستعماري في شتى بقاع الشرق حقبا متوالية، فقد كان أبناء هذه الدول ينظرون إلى الخليفة العثمانية نظرة عالية، فيرون طاعته فرضا أكيداً يوحيه الإسلام وتملية العقيدة، ورغم ما أشتهر به عبد الحميد من العسف والجور والخروج عن شرعة الأنصاف فقد لهجة بمدحه كثيرا من الأدباء والشعراء، إذ