كانوا يصرفون النظر عن شخصه ويرون الخليفة فكرة رمزية تقيم العدل وتجدد معالم الدين، وقد تفانى محرم - جربا وراء عاطفته الدينية - في محبة الأتراك فمنح خلفائهم الود وهاجم أعدائهم بقذائفه الصائبة. وأنت تقرأ مديحه في السلطان العثماني فتجده ينظر إليه من نافذة العقيدة، فيذكره بمركزه الديني ومقامه الإسلامي ثم يدلف إلى تقديم نصائحه التقليدية فيحث على الوحدة القومية، وينادي بالجامعة الإسلامية، وكان للمعارك الحربية التي خاضها الجيش العثماني صدى تردد في نفس الشاعر، فسجل الوقائع اليونانية، وندد بمن يهددون (الرجل المريض) بالثورات الداخلية والفتن الخارجية، وقد اعتمد الشاعر على خياله البعيد، فبالغ في مديح الجنود الأتراك مبالغة تدعو إلى العجب، وكأنه أراد أن يقوى الروح المعنوية في الشعوب الإسلامية فجوف الحقائق تجويفا يناقضه الواقع، وهو بلا شك مشكور لغيرته وحميته، وإلا فهل كان الجيش التركي في رمقه الأخيرة كما قال فيه؟
لهم كل يوم غارة تصبح العدى ... وأخرى تضئ الليل والليل فاحم
إذا نفروا لم ينفروا عن شمالها ... ولم يصحروا عن سيلها وهو عارم
بنوها الألى لا يرهبون بها الردى ... إذا اهتزمت في حافتيها الزمازم
إذا أقدموا لم يثنهم عن مغارهم ... غداة الوغى أهوالها والمآزم
معمون فيها مخولون إذا اعتزوا ... نمتهم قريش في الحفاظ وهاشم
أولئك أبطال الخلافة تحتمي ... بأسيافهم أن داهمتها العظائم
هم المانعوها أن يقسم فيئها ... وأن تستبي بيضاتها والمحارم
هم الناس لا ما تنكر العين من قذى ... وتوشك أن تنشق منه الحيازم
وما الملك إلا ما أطالت وأثلت ... طوال العوالي والرقاق والصوارم
ولقد ظل الشاعر على إخلاصه للدولة العثمانية، يمجد في أعلامها ويسهب في الثناء على مواقفها، وينذر الثوار الداخلين فيذكرهم بمسئوليتهم الفادحة أمام الله إذ يشعلون الفوضى بلا موجب، ويوقدون الفتنة في ربوع مضطربة تعصف بها الرياح الهوج.
وكم كان الألم لاذعاً في نفس محرم حين طوى بساط الخلافة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد أفزعه اضطهاد الكماليين لرجل الفقه والتشريع، ونقا إليه ما ارتكبوه من غلو فاحش، حيث وأدوا العاطفة الدينية في وقت أصبح فيه القابض على دينية كالقابض على