للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجمر. وأذكر أنه نظم في سقوط الخلافة ملحمة طويلة طبعت وحدها في كتاب مستقل، وكان يهمني أن أستشهد ببعض أبياتها الدامغة، لولا ضياعها من يدي. ولا أدل على حماس الشاعر للأتراك العثمانيين من قصيدته المؤثرة في رثاء والده، فقد نسى مصابه الشخصي، وغالبته العاطفة الدينية فترك الأنين والدموع وأندفع إلى الحديث القائم العثمانيين والإنجليز، ولك أن تقدر معي شعور مسلم غيور، هاجت عاطفته الدينية فأنسته ما وقع فيه من أسى قاتل، وحزن مرير.

هذا وسياسات محرم تتسم بطابعها الإسلامي فمدائحه في العزيز حث وتذكير بالآداب الخلقية، ورجوع بالأمة إلى ماضيها المجيدة؛ وقصائده في الحرب العالمية الأولى تنديد بالحضارة الغربية المتوحشة، وتصوير صادق للمسارح الدولية التي تراق فيها الدماء وتتناثر عليها الأشلاء. هذا إلى مقارنة معتدلة بالحضارة الإسلامية في عهدها الزاهر، وكيف كانت مناراً شع على العالم بضوئه الوهاج. وحين قامت الحرب الطرابلسية الإيطالية صرخ محرم صرخات مؤرقة، ولم يشأ أن يقصر شعره البربرية الإيطالية المتوحشة، فيكتفي برسم الفضائع الدامية التي أرتكبها المحتلون بالشعب الأعزل المستكين، بل غمره شعوره الديني في طوفان جارف صخاب، فتمثل البيت الحرام يرتجف رعبا بمكة، ويثرب ذات القبر الطهور تولول جازعة؛ استصرخ الغر الميامين من أبطال الإسلام، فتساءل عن علي بن أبي طالب، وتطلع على خيل الله يقدمها صاحب اللواء، وتذكر ابن الخطاب في فتوحاته الشاسعة وحن إلى المقاديم من فهر ومضر وقريش، أسمعه يقول:

أين ابن عم رسو الله يطفئها ... حرباً على كبدي من نارها شرر

أين اللواء وخيل الله يبعثها ... عمرو ويقدم في آثارها عمرو

أين المقاديم من فهر ومن مضر ... ومن قريش وأين السادة الغرر

أين الملائكة الأبرار يقدمهم ... جبريل يستبق الهيجا ويبتدر

أين الوقائع تهتز العروش لها ... رُعباً وتنتفض التيجان والسرر

أين القياصر مقهورين لا صلفا ... نآى بجانبهم عنا ولا صعر

أيطرب البيت أم تبكي جوانبه ... حزنا ويقول فيه الركن والحجر

<<  <  ج:
ص:  >  >>