للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويح الحجيج إذا حانت مناسكهم ... ماذا يرى طائف منهم ومعتبرو

أين الحماة وقد ضاعت محارمنا ... أين الكفاة وأين الذادة الغير

وهكذا كان التذكير بالماضي سلاحا سلا بائرا في قبضة الشاعر، والحق انه آتى أكله وأثمر في حينه فوثقت الأمم العربية بماضيها المجيد، بعد أن حاول الاستعمار الغاشم أن يبرزه في صورة نكراء.

وطبيعي أن يكون ندب الماضي االبهيج مقروناً بالتحسر على الحاضر الأليم؛ فالصورة الجميلة المشرقة لا تكمل لها أسباب الروعة إلا إذا قرنت بصورة دميمة بشعة، وحالة الشعوب الإسلامية قد بلغت من الهوان مبلغا يستدر الدموع، فكانت الشكوى من انحطاط الشرق ميدانا فسيحا تحول فيه الأقدام حتى ليجوز لنا أن نعتبره عنصراً هاماً من عناصر الشعر الحية في نهضتنا الحديثة. ومعلوم أن الشعور بالنقص هو الدافع الأول إلى الكمال والتقدم، فلا مناص إذن من الاعتراف بالواقع الأليم. وكم تضرع محرم إلى ربه راجيا أن يأخذ بيد أمته إلى طريق البر، وكم سهر الليالي الطويلة يتألم فيما خيم عليها من غواش حالكة؟ وكم وقف بين اليأس والأمل لا يدري أي يبتسم الدهر للشرق أم تكون الأخرى فيضل الكابوس الأوربي جاثما فوق صدور المسلمين؟ عواطف مشتجرة متناحرة خلقتها الروح المتوثبة في نفس الشاعر فصيرته في حيرة من أمره إذ يقول.

تفاقمت الخطوب فلا رجاء ... وأخلفت الظنون فلا وثوق

تطالعنا السنون مروعات ... ونحن إلى أهلتها نتوق

يمر العهد بعد العهد شراً ... فأين الخير والسعد الأنيق

نوائب روّع التنزيل منها ... وضج القبر والبيت العتيق

بنا من ضارب الحدثان مالا ... يطيق مضاءه العضب الذليق

كأن جراحه في كل قلب ... شفاء للمنية أو شدوق

رويد البوم والغربان فينا ... أما يغني النعيب ولا النعيق

وردنا للنواعب لو عمينا ... وسدت من مسامعنا الخروق

أمض قلوبنا داء دخيل ... وهمّ في جوانحنا لصيق

وجف الريق حتى ود قوم ... لو أن السم في اللهوات ريق

<<  <  ج:
ص:  >  >>